كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 8)

والإبداع، فكونه تعالى خالقاً إشارة إلى صفة العلم، وكونه فاطراً إشارة إلى صفة القدرة، وكونه تعالى رَبَّا ومُرَبياً على الأمْرَيْنِ فكان ذلك أكمل.
وأمَّا الجَوابُ عن الثَّاني، فالحق أن الخَلْقَ عبارة عن التَّقدير، وهو في حقِّ الله - تعالى عبارةٌ عن علمه بالمَعْلُومَاتِ، والعلم بالشيء يصحُّ تقدُّمُهُ على وجود المَعْلُومِ؛ لأنه لا يمكن أن يعلم الشيء قَبَلَ وجوده، وأمَّا إيجادُ الشيء، لا يَحْصُل إلاَّ حالَ وجوده.
فصل في قوله: «الحمد لله»
قوله: «الحَمْدٌ للَّهِ» فيه قولان:
الأول: المرادُ احْمَدُوا اللَّهَ، وإنَّما جاء على صِفَةِ الخَبَرِ لوجوده:
أحدهما: أن قوله: «الحَمْدُ للَّهِ» يفيد تَعْظِيم اللفظ والمعنى، ولو قال: «احمدوا» لم يحصل مجموع هاتين الفاَئدتَيْن.
وثانيهما: أنه يُفيدُ كونه - تعالى - مُسْتحقّاً للحَمْدِ سَوَاءً حَمِدّهُ حَامدٌ أو لم يَحْمَدْهُ.
وثالثها: أنَّ المَقْصُودَ منه ذِكْرُ الحُجَّة فّذكْرُهُ بصيغة الخَبَرِ أوْلَى.
والقول الثاني: أن المراد منه تعليم العِبَادِ، وهو قولُ أكثره المفسرين.
قوله: {الذي خَلَقَ السماوات والأرض} فيه ثلاث سؤالات:
السؤال الأول: قوله: {الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السماوات والأرض} جار مجرى قولك: «جاءني الرَّجُلُ الفَقِيهُ» فإن هذا يدلُّ على وجود رَجُل آخر ليس لفقيه، وإلاَّ لم يكن لِذِكْر ذلك فَائِدةٌ، وكذا هاهنا قوله: {الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السماوات والأرض} يوهم أن هناك إلهاً لم يَخْلُق السماوات والأرض، وإلاَّ فأيُّ فائدة في ذِكْرِ هذه الصِّفَةِ. والجواب: أنا بَيَّنَّا أن قوله: «الله» جِارٍ مجرى اسم العلم، فإذا ذكر الوصف لاسم العلم لم يكن المقصود من ذكر الوَصْفش التمييز، بل تعريف كون ذلك الُسَمَّى مَوْصُوفاُ بتلك الصِّفَةِ. مثاله: إذا قلنا: الرِّجُلُ اسمٌ للمَاهِيَّةِ، فيتناول الأشخاص الكثيرين، فكان المقصود هاهنا من ذِكر الوصفِ تَمْييز هذا الرجل عن سَائِرِ الرجال بهذه الصفة. أمَّا إذا قلنا: زيدٌ العالم، فلفظُ «زيد» اسم عَلَم، وهو لا يُفيد إلا هذه الذَّات المُعَيَّنَة؛ لأنَّ أسماء الأعلام قائمة مَقَام الإشَارَاتِ، فإذا وَصَفْنَاهُ بالعلمية امتنع أنْ يكون المقصودٌ منه تَمْييز ذلك الشخص عن غيره، بل المقصود منه تعريف كون ذلك المُسمى

الصفحة 8