كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 8)

وَمِنْ حُكْمِ مَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ فَهُوَ أَوْلَى بِهَا، وَالْقُرْعَةُ بَيْنَ الْأَعْبُدِ السِّتَّةِ فِي الْعِتْقِ، وَقَالُوا: هَذِهِ الْأَخْبَارُ مُخَالِفَةٌ لِلْأُصُولِ أَنْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا فِي خَبَرِ الشُّفْعَةِ، وَلَكِنَّ التَّنَاقُضَ أَسْهَلُ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ، وَلَا حُجَّةَ فِي نَظَرٍ مَعَ حُكْمٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَمَّا الْخِلَافُ فِيمَا تَكُونُ فِيهِ الشُّفْعَةُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا ذَكَرَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ «فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ» .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا شَغَبُوا بِهِ إلَّا هَذَا.
فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، أَمَّا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ» فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي هَذَا فَقَطْ، وَإِنَّمَا فِيهِ إيجَابُ الشُّفْعَةِ فِي الْأَرْضِ وَالرَّبْعِ وَالْحَائِطِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ هَلْ الشُّفْعَةُ فِيمَا عَدَاهَا أَمْ لَا؟ فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِ مَا عَدَا هَذِهِ فِي غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ وَجَدْنَا خَبَرَ جَابِرٍ هَذَا نَفْسِهِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَمَا يَجْهَلُ أَنَّ عَطَاءً فَوْقَ أَبِي الزُّبَيْرِ إلَّا جَاهِلٌ.
وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي رَبْعَةٍ أَوْ نَخْلٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ رَضِيَ أَخَذَ، وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ» أَفَتَرَوْنَ هَذَا حُجَّةً فِي أَنْ لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ أَوْ نَخْلٍ فَقَطْ دُونَ سَائِرِ الثِّمَارِ؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ خَبَرٌ آخَرُ بِزِيَادَةٍ؟ قُلْنَا: وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ آخَرُ لَنَا أَيْضًا بِزِيَادَةٍ «كُلُّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ» وَلَا فَرْقَ فَكَيْفَ وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، الْمُخَالِفُونَ لَنَا فِي هَذَا أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلَّا قَاسُوا عَلَى حُكْمِ الْأَرْضِ، وَالْحَائِطِ، وَالْبِنَاءِ: سَائِرَ الْأَمْلَاكِ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ وَدَفْعِهِ، كَمَا قَاسُوا عَلَى الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحِ، وَالتَّمْرِ: سَائِرَ الْأَنْوَاعِ؟ فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْمُوجِبُ لِلْقِيَاسِ هُنَالِكَ وَفِي سَائِرِ مَا قَاسُوا فِيهِ وَمُنِعَ مِنْهُ هَاهُنَا، لَا

الصفحة 8