كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 8)

«كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» وَخَبَرُ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» وَخَبَرُ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَوَاهِبَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا» (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ) مِنْ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهَا وَمِنْهُ الْمُتَّخَذُ مِنْ لَبَنِ الرَّمَكَةِ فَإِنَّهُ مُسْكِرٌ مَائِعٌ (حَرُمَ قَلِيلُهُ) وَكَثِيرُهُ (وَحُدَّ شَارِبُهُ) وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ: أَيْ مُتَعَاطِيهِ وَلَوْ مِمَّنْ يُعْتَقَدُ إبَاحَتُهُ لِضَعْفِ أَدِلَّتِهِ، إذْ الْعِبْرَةُ فِي الْحُدُودِ بِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ لَا الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فِيمَنْ لَا يَسْكَرُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ إنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةِ لَا الْإِسْكَارِ فَفِي الْحَدِّ عَلَيْهِ نَظَرٌ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْإِسْكَارُ عَجِيبٌ وَغَفْلَةٌ عَنْ وُجُوبِ الْحَدِّ فِي الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ إسْكَارٌ، فَمَعْنَى كَوْنِهِ عِلَّةً أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لَهُ، وَخَرَجَ بِالشَّرَابِ مَا حَرُمَ مِنْ الْجَامِدَاتِ كَالْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ وَكَثِيرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْجَوْزَةِ وَالْحَشِيشِ فَلَا حَدَّ بِهِ وَإِنْ أُذِيبَتْ إذْ لَيْسَ فِيهَا شِدَّةُ مُطْرَبَةٍ، بِخِلَافِ جَامِدِ الْخَمْرِ اعْتِبَارًا بِأَصْلِهِمَا بَلْ التَّعْزِيرُ الزَّاجِرُ لَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ الدَّنِيَّةِ، وَيَحْرُمُ شُرْبُ مَا ذُكِرَ وَيُحَدُّ شَارِبُهُ (إلَّا صَبِيًّا وَمَجْنُونًا) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا (وَحَرْبِيًّا) أَوْ مُعَاهِدًا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ (وَذِمِّيًّا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِالذِّمَّةِ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ إلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْآدَمِيِّينَ (وَمُوجَرًا) مُسْكَرًا قَهْرًا إذْ لَا صُنْعَ لَهُ (وَكَذَا مُكْرَهًا عَلَى شُرْبِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ وَيَلْزَمُهُ كَكُلِّ آكِلِ أَوْ شَارِبِ حَرَامٍ تَقَيُّؤُهُ إنْ أَطَاقَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى عُذْرِهِ وَإِنْ لَزِمَهُ التَّنَاوُلُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ فِي الْبَاطِنِ لَا انْتِفَاعَ بِهِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَإِنْ حَلَّ ابْتِدَاؤُهُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSمَا لَوْ طُبِخَ عَلَى صِفَتِهِ يَقُولُ بِحِلِّهَا بِتِلْكَ الصِّفَةِ بَعْضُ الْمَذَاهِبِ (قَوْلُهُ وَوَاهِبَهَا) أَيْ وَمُتَّهِبَهَا فِي حُكْمِ الْمُبْتَاعِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْمُتَّخَذُ مِنْ لَبَنِ الرَّمَكَةِ) أَيْ الْفَرَسِ فِي أَوَّلِ نِتَاجِهَا (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِسْكَارُ) عَجِيبٌ وَغَفْلَةٌ قَدْ يَقُولُ الزَّرْكَشِيُّ الْإِسْكَارَ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَظِنَّةِ مُنْتَفٍ عَلَى هَذَا، وَقَدْ يُورَدُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْمَظِنَّةِ مُلَاحَظَةُ جِنْسِ الشَّارِبِ أَوْ الْمَشْرُوبِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ كَالْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْكَثِيرِ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَالْكَثْرَةُ قَيْدٌ فِي الْجَمِيعِ (قَوْلُهُ وَكَثِيرِ الزَّعْفَرَانِ) الْمُرَادُ بِالْكَثِيرِ مِنْ ذَلِكَ مَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ بِالنَّظَرِ لِغَالِبِ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْمُتَنَاوِلِ لَهُ لِاعْتِيَادِ تَنَاوُلِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا حَدَّ وَإِنْ أُذِيبَتْ) أَيْ الْمَذْكُورَاتُ مَحَلُّهُ مَا لَمْ تَشْتَدَّ بِحَيْثُ تُقْذَفُ بِالزُّبْدِ وَتُطْرَبُ، وَإِلَّا صَارَتْ كَالْخَمْرِ فِي النَّجَاسَةِ وَالْحَدِّ كَالْخُبْزِ إذَا أُذِيبَ وَصَارَ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ لِلْحَشِيشِ حَالَةَ إسْكَارٍ وَتَحْرِيمٍ بِخِلَافِ الْخُبْزِ مَثَلًا لَا أَثَر لَهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ سَبَقَ كَذَلِكَ يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَا وِفَاقًا فِي ذَلِكَ لِطَلَبَ وَخِلَافًا لِمَرَّ ثُمَّ وَافَقَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: بَلْ التَّعْزِيرُ) أَيْ بَلْ فِيهَا التَّعْزِيرُ مَا لَمْ يَصِرْ إلَى حَالَةٍ تُلْجِئُهُ إلَى اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ أَصَابَهُ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، نَعَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي إزَالَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ إمَّا بِاسْتِعْمَالِ ضِدِّهِ أَوْ تَقْلِيلِهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ لَا يَضُرُّهُ تَرْكُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ مُعَاهِدًا) أَيْ أَوْ مُؤَمَّنًا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ كَكُلِّ آكِلِ أَوْ شَارِبِ حَرَامٍ تَقَايُؤُهُ) قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْدَ مِثْلِ مَا ذُكِرَ: وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ الِاسْتِحْبَابُ بِرّ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَزِمَهُ التَّنَاوُلُ) أَيْ كَالْمُضْطَرِّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَّ ابْتِدَاؤُهُ) قَدْ يُنَافِي هَذَا التَّعْمِيمُ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ شَبِعَ فِي حَالَةِ امْتِنَاعِهِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْحَلِّ لَزِمَهُ كَكُلِّ مَنْ تَنَاوَلَ مُحَرَّمًا التَّقَيُّؤُ وَإِنْ أَطَاقَهُ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَنَافِي لِإِمْكَانِ حَمْلِ مَا فِي الْأَطْعِمَةِ عَلَى مَا لَوْ وَجَدَ الْحَلَالَ عَقِبَ تَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ مَثَلًا، وَمَا هُنَا عَلَى مَا لَوْ لَمْ يَجِدْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكَثِيرِ فَاضْطُرَّ إلَى هَذَا، وَأَمَّا الشَّارِحُ فَحَيْثُ كَانَ اخْتِيَارُهُ الْكُفْرَ بِاسْتِحْلَالِ الْكَثِيرِ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى هَذَا بَلْ يَجِبُ حَذْفُهُ مِنْ كَلَامِهِ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ عَلَى اخْتِيَارِهِ (قَوْلُهُ: وَخَبَرُ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» ) هَذَا قِيَاسٌ مَنْطِقِيٌّ إذَا حُذِفَ مِنْهُ الْحَدُّ الْأَوْسَطُ وَهُوَ الْمُكَرَّرُ الَّذِي هُوَ الْخَمْرُ الْوَاقِعُ مَحْمُولًا لِلصُّغْرَى وَمَوْضُوعًا لِلْكُبْرَى أَنْتَجَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ.

الصفحة 12