كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 8)

فَانْدَفَعَ اسْتِبْعَادُ الْأَذْرَعِيِّ لِذَلِكَ، وَعَلَى نَحْوِ السَّكْرَانِ إذَا شَرِبَ مُسْكِرًا حُدَّ وَاحِدٌ مَا لَمْ يُحَدَّ قَبْلَ شُرْبِهِ فَيُحَدُّ ثَانِيًا، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ طَرِيقٌ حَاكٍ لِوَجْهَيْنِ

(مَنْ جَهِلَ كَوْنَهُ خَمْرًا) فَشَرِبَهَا ظَانًّا إبَاحَتَهَا (لَمْ يُحَدَّ) لِعُذْرِهِ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ بَعْدَ صَحْوِهِ إنْ ادَّعَاهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَمِثْلُهُ دَعْوَى الْإِكْرَاهِ حَيْثُ بَيَّنَهُ إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ أَنَّهُ يَعْرِفُهُ (وَلَوْ قَرُبَ إسْلَامُهُ فَقَالَ جَهِلْت تَحْرِيمَهَا لَمْ يُحَدَّ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يَقْتَضِي حَالُهُ عَدَمَ خَفَاءِ ذَلِكَ عَلَيْهِ يُحَدُّ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَوْ) قَالَ عَلِمْت التَّحْرِيمَ وَ (جَهِلْت الْحَدَّ) (حُدَّ) إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ اجْتِنَابُهَا حَيْثُ عَلِمَ تَحْرِيمَهَا (وَيُحَدُّ بِدُرْدِيِّ خَمْرٍ) وَهُوَ مَا يَبْقَى فِي آخَرِ إنَائِهَا، وَكَذَا بِثَخِينِهَا إذَا أَكَلَهُ (لَا بِخُبْزٍ عُجِنَ دَقِيقُهُ بِهَا) لِاضْمِحْلَالِ عَيْنِهَا بِالنَّارِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَثَرُهَا وَهُوَ النَّجَاسَةُ (وَمَعْجُونٍ هِيَ فِيهِ) وَمَا فِيهِ بَعْضُهَا وَالْمَاءُ غَالِبٌ لِاسْتِهْلَاكِهَا (وَكَذَا حُقْنَةٌ وَسَعُوطٌ) بِفَتْحِ السِّينِ لَا يُحَدُّ بِهِمَا (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لَهُ هُنَا، إذْ لَا تَدْعُو النَّفْسُ لَهُ، وَيُفَارِقُ إفْطَارُ الصَّائِمِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ ثَمَّ عَلَى وُصُولِ عَيْنٍ لِلْجَوْفِ، وَالثَّانِي يُحَدُّ بِهِمَا كَالشُّرْبِ.
وَالثَّالِثُ يُحَدُّ فِي السَّعُوطِ دُونَ الْحُقْنَةِ

(وَمَنْ غَصَّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ كَمَا بِخَطِّهِ وَيَجُوزُ ضَمُّهُ (بِلُقْمَةٍ) وَخَشَى هَلَاكُهُ مِنْهَا إنْ لَمْ تَنْزِلْ جَوْفَهُ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهَا (أَسَاغَهَا) حَتْمًا (بِخَمْرٍ) (إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا) إنْقَاذًا لِنَفْسِهِ مِنْ الْهَلَاكِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ خُصُوصَ الْهَلَاكِ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَا لِمُجَرَّدِ الْإِبَاحَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَعَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ التَّقَيُّؤِ هُنَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ فِي الْمَعِدَةِ زَمَنًا تَنْكَسِرُ بِهِ حِدَةُ الْجُوعِ، وَتَصِلُ خَاصَّتُهُ إلَى الْبَدَنِ (قَوْلُهُ: إذَا شَرِبَ مُسْكِرًا) أَيْ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: لَمْ يُحَدَّ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّقَايُؤُ (قَوْلُهُ: إنْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْجَهْلَ (قَوْلُهُ: حَيْثُ بَيَّنَهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ وَلَا وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: آخَرِ إنَائِهَا) أَيْ أَسْفَلِهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَثَرُهَا) أَيْ وَالْحَالُ لَمْ يَبْقَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَا فِيهِ بَعْضُهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَاءَ مِثَالٌ فَمِثْلُهُ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ ضَمُّهُ) أَيْ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لَازِمًا لَكِنَّهُ لَمَّا عَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ جَازَ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ،
وَفِي الْمِصْبَاحِ غَصِصْت بِالطَّعَامِ غَصَصًا مِنْ بَابِ تَعِبَ فَأَنَا غَاصٌّ وَغَصَّانُ وَمِنْ بَابِ قَتَلَ لُغَةً، وَالْغُصَّةُ بِالضَّمِّ: مَا غَصَّ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْظٍ عَلَى التَّشْبِيهِ، وَالْجَمْعُ غُصَصٌ مِثْلُ غَرْفَةٍ وَغُرَفٍ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَاضِيَ غَصَّ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ، وَأَنَّ فِي الْمُضَارِعِ لُغَتَيْنِ هُمَا يَغَصُّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا (قَوْلُهُ وَخَشَى هَلَاكَهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّ خَشْيَةَ الْمَرَضِ مَثَلًا لَا تَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَسَاغَهَا حَتْمًا بِخَمْرٍ) وَإِذَا سَكِرَ مِمَّا شَرِبَهُ لِتَدَاوٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ إسَاغَةِ لُقْمَةٍ قَضَى مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِرْشَادُ، وَلِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الشُّرْبَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضِ، وَالْمَعْذُورُ مَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ وَنَحْوِهِ، أَوْ جَهِلَ كَوْنَهُ خَمْرًا لَا يُحَدُّ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ مُدَّةَ السُّكْرِ بِخِلَافِ الْعَالِمِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ، وَفِيهِ أَيْضًا فَائِدَةٌ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ جَوَازَ أَكْلِ النَّبَاتِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ الْجُوعِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَمَثَّلَ بِالْحَشِيشَةِ قَالَ: لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْجُوعَ، وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي حَالِ أَهْلِهَا عِنْدَ أَكْلِهَا بِرّ اهـ.
وَفِي تَعْلِيلِ الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْجُوعَ إلَخْ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ إزَالَةِ الْجُوعِ إنَّمَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَوَازِ، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ لَفْظَ عَدَمِ قَبْلَ جَوَازِ، وَفِيهِ أَيْضًا فَرْعٌ: شَمَّ صَغِيرٌ رَائِحَتَهُ الْخَمْرِ، وَخِيفَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُسْقَ مِنْهَا هَلْ يَجُوزُ سَقْيُهُ مِنْهَا مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الضَّرَرَ؟ قَالَ م ر: إنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ أَوْ مَرَضٌ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ خِيفَ مَرَضٌ لَا يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ اهـ.
أَقُولُ: لَوْ قِيلَ يَكْفِي مُجَرَّدُ مَرَضٍ تَحْصُلُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ، وَلَا سِيَّمَا إنْ غَلَبَ امْتِدَادُهُ بِالطِّفْلِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا (قَوْلُهُ: إنْقَاذًا لِنَفْسِهِ مِنْ الْهَلَاكِ) أَيْ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ بِشُرْبِهِ مَاتَ شَهِيدًا لِجَوَازِ تَنَاوُلِهِ لَهُ بَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ أَنَّهُ يَعْرِفُهُ) أَيْ الْإِكْرَاهَ: أَيْ فَإِنْ عُلِمَ مِنْهُ مَعْرِفَتُهُ فَلَا حَاجَةَ لِبَيَانِهِ

الصفحة 13