كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 8)
أَخْذًا مِنْ حُصُولِ الْإِكْرَاهِ الْمُبِيحِ لَهَا بِنَحْوِ ضَرْبٍ شَدِيدٍ (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا) صَرْفًا (لِدَوَاءٍ) لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ إثْبَاتِ مَنَافِعَ لَهَا فَهُوَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا أَمَّا مُسْتَهْلَكَةً مَعَ دَوَاءٍ آخَرَ فَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا كَصَرْفِ بَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ إنْ عَرَفَ، أَوْ أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ عَدْلٌ بِنَفْعِهَا وَتَعْيِينِهَا بِأَنْ لَا يُغْنِي عَنْهَا طَاهِرٌ، وَلَوْ اُحْتِيجَ لِقَطْعٍ نَحْوَ سِلْعَةٍ وَيَدٍ مُتَأَكِّلَةٍ إلَى زَوَالِ عَقْلِ صَاحِبِهَا بِنَحْوِ بَنْجٍ جَازَ لَا بِمُسْكِرٍ مَائِعٍ (وَ) جُوعٍ وَ (عَطَشٍ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُهُ بَلْ تُزِيدُهُ حَرَارَةً لِحَرَارَتِهَا وَيُبْسِهَا، وَلَوْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ عَطَشٍ جَازَ لَهُ شُرْبُهَا كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ إجْمَاعِ الْأَصْحَابِ، وَمَعَ تَحْرِيمِهَا لِدَوَاءٍ أَوْ عَطَشٍ لَا حَدَّ بِهَا وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لِلشُّبْهَةِ
(وَحَدُّ الْحُرِّ أَرْبَعُونَ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ " أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَ عَلِيًّا بِجَلْدِ الْوَلِيدِ، فَأَمَرَ الْحَسَنَ فَامْتَنَعَ، فَأَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ " وَعُمَرُ ثَمَانِينَ بِإِشَارَةِ ابْنِ عَوْفٍ لَمَّا اسْتَشَارَ عُمَرُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ، وَلَا يُشْكِلُ ذِكْرُ الْأَرْبَعِينَ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ جَلَدَهُ ثَمَانِينَ إذْ السَّوْطُ كَانَ بِرَأْسَيْنِ، وَلَا قَوْلُهُ وَكُلٌّ سُنَّةٌ بِمَا صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــSوُجُوبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرِبَهُ تَعَدِّيًا، وَغَصَّ مِنْهُ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا لِتَعَدِّيهِ بِشُرْبِهِ (قَوْلُهُ: إنْ عُرِفَ) أَيْ بِالطِّبِّ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يُغْنِي عَنْهَا طَاهِرٌ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا مَعَ وُجُودِ الطَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَتْ أَسْرَعَ لِلشِّفَاءِ مِنْهُ، وَيُوَافِقُهُ مَا مَرَّ لِلشَّارِحِ فِي امْتِنَاعِ الْوَصْلِ بِعَظْمٍ نَجِسٍ هُوَ أَسْرَعُ انْجِبَارًا مِنْ الطَّاهِرِ، لَكِنْ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِنَجِسٍ غَيْرِ مُسْكِرٍ كَلَحْمِ حَيَّةٍ وَبَوْلٍ وَمَعْجُونِ خَمْرٍ كَمَا مَرَّ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَلَوْ كَانَ التَّدَاوِي بِهِ لِتَعْجِيلِ شِفَاءٍ كَمَا يَكُونُ لِرَجَائِهِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ إخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ بِذَلِكَ أَوْ مَعْرِفَةِ الْمُتَدَاوِي بِهِ إنْ عَرَفَ، وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّدَاوِي مِنْ الطَّاهِرَاتِ اهـ.
وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا قَوْلُ الرَّوْضِ وَلَوْ لِتَعْجِيلِ شِفَاءٍ، فَإِنَّ مَا فِي الرَّوْضِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ الشِّفَاءُ بِالْخَمْرِ الْمَعْجُونِ فِي أُسْبُوعٍ مَثَلًا، وَإِذَا لَمْ يَتَدَاوَ أَصْلًا لَمْ يَحْصُلْ الشِّفَاءُ إلَّا فِي عَشَرَةٍ، وَهُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ طَاهِرٌ يَقُومُ مَقَامَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اُحْتِيجَ لِقَطْعٍ نَحْوَ سِلْعَةٍ) وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا يُقْطَعُ لِمَنْ أَخَذَ بِكْرًا، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ افْتِضَاضُهَا إلَّا بِإِطْعَامِهَا مَا يُغَيِّبُ عَقْلَهَا مِنْ نَحْوِ بَنْجٍ أَوْ حَشِيشٍ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مِثْلُهُ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى تَمَكُّنِ الزَّوْجِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ وَطْئِهَا مَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ لَهَا أَذًى لَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي إزَالَةِ الْبَكَارَةِ (قَوْلُهُ: لَا بِمُسْكِرٍ مَائِعٍ) اُنْظُرْ لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا الْمُسْكِرَ الْمَائِعَ اهـ سم عَلَى حَجّ.
أَقُولُ: وَيُحْتَمَلُ جَوَازُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلِاضْطِرَارِ لِتَنَاوُلِهِ كَمَا لَوْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ تَعَيَّنَتْ الْخَمْرَةُ الصِّرْفَةُ لِلتَّدَاوِي بِهَا (قَوْلُهُ: وَعَطَشٍ) .
[تَنْبِيهٌ] جَزَمَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ بِحِلِّ إسْقَائِهَا لِلْبَهَائِمِ، وَلِلزَّرْكَشِيِّ احْتِمَالٌ أَنَّهَا كَالْآدَمِيِّ مَعَ امْتِنَاعِ إسْقَائِهَا إيَّاهَا لِلْعَطَشِ، قَالَ: لِأَنَّهَا مُثِيرَةٌ فَتُهْلِكُهَا فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إتْلَافِ الْمَالِ اهـ.
وَالْأَوْلَى تَعْلِيلُهُ بِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا لَهَا، وَإِضْرَارُ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ وَإِنْ لَمْ يُتْلِفْ، قَالَ: وَالْمُتَّجِهُ مَنْعُ إسْقَائِهَا لَهَا لَا لِعَطَشٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّمْثِيلِ بِالْحَيَوَانِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ اهـ حَجّ
(قَوْلُهُ: فَأَمَرَ) أَيْ عَلِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ) عِبَارَةُ حَجّ كَالدَّمِيرِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ أَرْبَعِينَ فَقَالَ أَمْسِكْ، ثُمَّ قَالَ: جَلَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: صَرْفًا) أَيْ أَمَّا غَيْرُ الصَّرْفِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ سَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَهُوَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا) قَدْ يُقَالُ هَذَا قَدْ يُنَافِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ حَيْثُ قُرِنَتْ الْمَنَافِعُ فِيهَا بِالْإِثْمِ الَّذِي هُوَ ثَمَرَةُ التَّحْرِيمِ
(قَوْلُهُ: وَكُلٌّ سُنَّةٌ إلَخْ) بَقِيَّةُ كَلَامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ بِإِشَارَةِ ابْنِ عَوْفٍ إلَخْ بَيَانُ فَائِدَةٍ ذَكَرَهَا فِي خِلَالِ كَلَامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْكِلُ ذِكْرُ الْأَرْبَعِينَ)
الصفحة 14
448