كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 8)
لَمْ يَسُنَّهُ وَلِهَذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الثَّمَانِينَ شَيْءٌ وَقَالَ: لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ، وَكَانَ يَحُدُّ فِي إمَارَتِهِ أَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ أَوَّلًا، وَالْإِثْبَاتُ عَلَى أَنَّهُ بَلَغَهُ ثَانِيًا، وَلَمْ يَسُنَّهُ بِلَفْظٍ عَامٍّ يَشْمَلُ كُلَّ قَضِيَّةٍ بَلْ فَعَلَهُ فِي وَقَائِعَ عَيْنِيَّةٍ، وَهِيَ لَا عُمُومَ لَهَا عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي جَامِعِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ (وَرَقِيقٍ) أَيْ مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَإِنْ قَلَّ (عِشْرُونَ) لِكَوْنِهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ
وَيَكُونُ جَلْدُ الْقَوِيِّ السَّلِيمِ (بِسَوْطٍ أَوْ أَيْدٍ أَوْ نِعَالٍ أَوْ أَطْرَافِ ثِيَابٍ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ شَدِّ طَرَفِ الثَّوْبِ وَفَتْلِهِ حَتَّى يُؤْلِمَ (وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ سَوْطٌ) إذْ الزَّجْرُ لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ.
أَمَّا نِضْوُ الْخِلْقَةِ فَيُجْلَدُ بِنَحْوِ عَثْكَالٍ وَلَا يَجُوزُ بِسَوْطٍ (وَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ بُلُوغَهُ) أَيْ حَدَّ الْحُرِّ (ثَمَانِينَ) جَلْدَةً (جَازَ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ عَنْ عُمَرَ، نَعَمْ الْأَرْبَعُونَ أَوْلَى كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ، إذْ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَجَاءَ أَنَّ عَلِيًّا أَشَارَ عَلَى عُمَرَ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هذى وَإِذَا هذى افْتَرَى، وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ ثَمَانُونَ.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ يَجْلِدُ فِي خِلَافَتِهِ أَرْبَعِينَ (وَالزِّيَادَةُ) عَلَى الْأَرْبَعِينَ (تَعْزِيرَاتٌ) إذْ لَوْ كَانَتْ حَدًّا لَمْ يَجُزْ تَرْكُهَا، وَقَوْلُهُ تَعْزِيرَاتٌ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ تَعْزِيرٌ؛ لِأَنَّهَا اُعْتُرِضَتْ بِأَنَّ وَضْعَ التَّعْزِيرِ النَّقْصُ عَنْ الْحَدِّ فَكَيْفَ يُسَاوِيهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَةٍ تَوَلَّدَتْ مِنْ الشَّارِبِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ شَافِيًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ فَكَيْفَ يُعَزَّرُ، وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْأَرْبَعُونَ، صَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: أَيْ لِلْإِرْشَادِ مَعَ حِكَايَةِ الْقِصَّةِ بِأَبْسَطِ مِمَّا هُنَا عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ، كَذَا بِهَامِشِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ بِخَطِّ شَيْخِنَا ب ر اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِالْقِصَّةِ إلَى مَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّ عُثْمَانَ إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَهُ حَجّ كَالدَّمِيرِيِّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ) أَيْ عَلِيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ مَاتَ إلَخْ (قَوْلُهُ: جَلَدَ فِي الْخَمْرِ) فَإِنْ قُلْت: إذَا قُلْنَا بِالرَّاجِحِ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ عَدَالَةِ جَمِيعِهِمْ أَشْكَلَ شُرْبُهُمْ الْخَمْرَ، فَإِنَّهُ يُنَافِي الْعَدَالَةَ وَيُوجِبُ الْفِسْقَ: قُلْت: يُمْكِنُ أَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُمْ عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ تَصَوَّرَهَا فِي نَفْسِهِ تَقْتَضِي جَوَازُهُ فَشَرِبَ تَعْوِيلًا عَلَيْهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَنْ وَقَعَ لَهُ فَحَدُّهُ عَلَى مُقْتَضَى اعْتِقَادِهِ، وَذَاكَ شَرِبَ عَلَى مُقْتَضَى اعْتِقَادِهِ، وَالْعِبْرَةُ بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ، عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَالَتِهِمْ أَنَّ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ أَوْ رَوَى حَدِيثًا لَا يُبْحَثُ عَنْ عَدَالَتِهِ، فَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَشَهَادَتُهُ، أَوْ رَوَى شَخْصٌ عَنْ مُبْهَمٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ كَذَا قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ ارْتَكَبَ شَيْئًا يُوجِبُ الْحَدَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ، وَمَعَ ذَلِكَ يَفْسُقُ بِارْتِكَابِ مَا يَفْسُقُ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ
. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ شَدِّ طَرَفِ الثَّوْبِ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: وَلَا يُحَدُّ بِسَوْطٍ) أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَجَلَدَ بِهِ فَمَاتَ الْمَجْلُودُ فَهَلْ يَضْمَنُهُ أَوَّلًا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ جَلَدَ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَمَاتَ بِهِ أَوْ جَلَدَ عَلَى الْمُقَاتِلِ.
وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ: فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَاضِي لَا بُدَّ فِي الْحَدِّ مِنْ النِّيَّةِ، وَخَالَفَهُ شَيْخُهُ الْقَفَّالُ فَلَمْ يَشْتَرِطْهَا، قَالَ: حَتَّى لَوْ ظَنَّ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ حَدَّ شُرْبٍ فَجَلَدَهُ فَبَانَ غَيْرُهُ أَجْزَأَ، وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهُ ظُلْمًا فَبَانَ أَنَّ عَلَيْهِ حَدًّا اهـ.
وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهُ ظُلْمًا إلَخْ؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُ ظُلْمًا قُصِدَ بِهِ غَيْرُ الْحَدِّ فَهُوَ صَارِفٌ عَنْ وُقُوعِهِ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ حَدًّا، وَضَرَبَهُ بِلَا قَصْدٍ أَنَّهُ عَلَى الْحَدِّ فَيَنْبَغِي الْإِجْزَاءُ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ وُجُودِ الصَّارِفِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَشَارَ عَلَى عُمَرَ بِذَلِكَ) أَيْ بِالثَّمَانِينَ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَةٍ تَوَلَّدَتْ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ لِجِنَايَاتٍ تَوَلَّدَتْ إلَخْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ فِي حَدِّ عَلِيٍّ لِلْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (قَوْلُهُ: وَقَالَ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ) أَيْ لَوْ حَدَدْتُ أَحَدًا ثَمَانِينَ وَمَاتَ وَدَيْته
(قَوْلُهُ: أَشَارَ عَلَى عُمَرَ بِذَلِكَ) أَيْ بِالثَّمَانِينَ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَاتٍ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ الِاعْتِرَاضِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَعَ
الصفحة 15
448