كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 8)
تَتَوَلَّدُ مِنْ الْخَمْرِ لَا تَنْحَصِرُ فَلِتَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَانِينَ وَقَدْ مَنَعُوهَا اهـ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَامَ عَلَى مَنْعِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا فَهِيَ تَعْزِيرَاتٌ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ (وَقِيلَ حُدَّ) ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى جِنَايَةٍ مُحَقَّقَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ مَاتَ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ
(وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ وَشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) أَوْ عِلْمِ السَّيِّدِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي السَّرِقَةِ (لَا بِرِيحِ خَمْرٍ وَ) هَيْئَةِ (سُكْرٍ وَقَيْءٍ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ احْتَقَنَ أَوْ أَسْعَطَ بِهَا أَوْ شَرِبَهَا لِعُذْرٍ مِنْ غَلَطٍ أَوْ إكْرَاهٍ، وَأَمَّا حَدُّ عُثْمَانَ بِالْقَيْءِ فَاجْتِهَادٌ لَهُ (وَيَكْفِي فِي إقْرَارٍ وَشَهَادَةِ شَرِبَ خَمْرًا) أَوْ شَرِبَ مِمَّا شَرِبَ مِنْهُ غَيْرُهُ فَسَكِرَ، وَسَوَاءٌ أَقَالَ وَهُوَ مُخْتَارٌ عَالِمٌ أَمْ لَا كَمَا فِي نَحْوِ بَيْعٍ وَطَلَاقٍ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ، وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الشَّارِبِ عِلْمُهُ بِمَا يَشْرَبُهُ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) فِي كُلٍّ مِنْ الْمُقِرِّ وَالشَّاهِدِ أَنْ يَقُولَ شَرِبَهَا (وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ مُخْتَارٌ) لِاحْتِمَالِ مَا مَرَّ كَالشَّهَادَةِ بِالزِّنَا، إذْ الْعُقُوبَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الزِّنَا قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مُقَدِّمَاتِهِ كَمَا فِي الْخَبَرِ، عَلَى أَنَّهُمْ سَامَحُوا فِي الْخَمْرِ لِسُهُولَةِ حَدِّهَا مَا لَمْ يُسَامِحُوا فِي غَيْرِهَا لَا سِيَّمَا مَعَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِكَثْرَةِ شُرْبِهَا يَقْتَضِي التَّوَسُّعَ فِي سَبَبِ الزَّجْرِ عَنْهَا فَوَسَّعَ فِيهِ مَا لَمْ يُوَسِّعْ فِي غَيْرِهِ، وَيُعْتَبَرُ عَلَى الثَّانِي زِيَادَةً مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ احْتِرَازًا مِنْ الْإِسَاغَةِ وَالشُّرْبِ لِنَحْوِ عَطَشٍ أَوْ تَدَاوٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَامَ عَلَى مَنْعِ الزِّيَادَةِ) وَأَوْلَى مِنْ كَوْنِ الزِّيَادَةِ تَعْزِيرًا مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ عَنْ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ حَدَّ الشَّارِبِ مَخْصُوصٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُدُودِ بِأَنْ يَتَحَتَّمَ بَعْضُهُ، وَيَتَعَلَّقَ بَعْضُهُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِينَ، وَجَوَازُهُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَمَعَ ذَلِكَ) أَيْ وَمَعَ كَوْنِ الزِّيَادَةِ تَعْزِيرَاتٍ (قَوْلُهُ: لَوْ مَاتَ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الصِّيَالِ مِنْ قَوْلِهِ وَالزَّائِدُ فِي حَدٍّ يَضْمَنُ بِقِسْطِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ.
هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ الزَّائِدِ حَدًّا لَا تَعْزِيرًا، وَذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ تَعْزِيرٌ إلَّا أَنَّهُ يُبْعِدُ هَذَا قَوْلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَانَ الظَّاهِرُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْهِ أَوْ نَحْوَهُ، أَوْ يُقَالُ مَا هُنَا مَحَلُّهُ إذَا كَانَ بِفِعْلِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مَعَ اقْتِضَاءِ الْمَصْلَحَةِ لِلزِّيَادَةِ، وَمَا يَأْتِي مَحَلُّهُ إذَا كَانَ بِفِعْلِ غَيْرِ الْإِمَامِ كَالْجَلَّادِ بِلَا إذْنٍ أَوْ الْإِمَامِ وَلَمْ تَقْتَضِهِ مَصْلَحَةٌ فَلْيَتَأَمَّلْ، لَكِنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمَنْهَجِ الْآتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَا وَجَبَ بِخَطَأِ إمَامٍ مِنْ التَّمْثِيلِ لَهُ بِقَوْلِهِ كَأَنْ ضَرَبَ فِي حَدِّ الشُّرْبِ ثَمَانِينَ فَمَاتَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ: أَيْ الْإِمَامِ
(قَوْلُهُ: وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ اهـ زِيَادِي، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَلَعَلَّ صُورَتَهَا أَنْ يَرْمِيَ غَيْرَهُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ رَمَاهُ بِذَلِكَ، وَيُرِيدُ تَعْزِيرَهُ فَيَطْلُبُ السَّابُّ مِمَّنْ نَسَبَ إلَيْهِ شُرْبَهَا فَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّعْزِيرُ، وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّادِّ لِلْيَمِينِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِمَا التَّفْصِيلُ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ اشْتِرَاطُهُ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَكْفِي فِي إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ وَهَيْئَةُ سُكْرٍ تَقْدِيرُ هَيْئَةِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ اهـ سم عَلَى حَجّ) .
وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَسْقَطَهَا كَانَ التَّقْدِيرُ لَا بِرِيحِ خَمْرٍ وَلَا بِسُكْرٍ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهَيْئَةِ السَّكْرَانِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ لَهُ سُكْرٌ بِالْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَشَهَادَةُ شَرِبَ خَمْرًا) أَيْ حَيْثُ عَرَفَ الشَّاهِدُ مُسَمَّى الْخَمْرِ (قَوْلُهُ: وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُ الْفَرْقِ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْعِلْمِ وَالِاخْتِيَارِ لَا يَنْفِي احْتِمَالَ الْمُقَدِّمَاتِ اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ.
أَمَّا الْجَوَابُ بِالنَّظَرِ لِخُصُوصِ الْمُقَابَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّارِحُ نَفْسُهُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْزِيرِ الْجِنْسُ فَيُرْجَعُ إلَى عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ: أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَحْسَنِيَّةُ بَاقِيَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْخَمْرِ لَا تَنْحَصِرُ إلَخْ، أَمَّا الشِّقُّ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ فَكَيْفَ يُعَزَّرُ فَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ الشَّارِحُ
(قَوْلُهُ: فَسَكِرَ) أَيْ الْغَيْرُ
الصفحة 16
448