كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 8)

سُمِّيَ ضَرْبُ مَا دُونَ الْحَدِّ تَعْزِيرًا، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ هُوَ كَوْنُ ذَلِكَ الضَّرْبِ دُونَ الْحَدِّ الشَّرْعِيِّ فَهُوَ كَلَفْظِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهِمَا الْمَنْقُولَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِيهَا بِزِيَادَةٍ، وَأَصْلُهُ الْعَذْرُ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَهُوَ الْمَنْعُ.
وَشَرْعًا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ) لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ (لَا حَدَّ لَهَا) وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ يَشْمَلُ الْقَوَدَ لِيَدْخُلَ نَحْوَ قَطْعِ الطَّرَفِ (وَلَا كَفَّارَةَ) سَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ مُقَدَّمَةً مَا فِيهِ حَدٌّ وَغَيْرُهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلِأَمْرِهِ تَعَالَى الْأَزْوَاجَ بِالضَّرْبِ عِنْدَ النُّشُوزِ، وَلِمَا صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي سَرِقَةِ تَمْرٍ دُونَ نِصَابٍ غُرْمُ مِثْلِهِ وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ» وَأَفْتَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ يَا فَاسِقُ يَا خَبِيثُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْأَصْلُ، وَقَدْ يَنْتَفِي مَعَ انْتِفَائِهِمَا كَذَوِي الْهَيْئَاتِ لِخَبَرِ «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا الْحُدُودَ» وَفِي رِوَايَةٍ: زَلَّاتِهِمْ، وَفَسَّرَهُمْ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْ لَا يُعْرَفُ بِالشَّرِّ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الصَّغَائِرُ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَكِنَّ كَلَامَهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ جَوَازِ تَعْزِيرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَنَازَعَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَدْبُ الْعَفْوِ عَنْهُمْ، وَبِأَنَّ عُمَرَ عَزَّرَ جَمْعًا مِنْ مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ وَهُمْ رُءُوسُ الْأَوْلِيَاءِ وَسَادَاتُ الْأُمَّةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّ قَوْلَ الْأُمِّ لَمْ يُعَزَّرْ ظَاهِرٌ فِي الْحُرْمَةِ، وَفِعْلُ عُمَرَ اجْتِهَادٌ مِنْهُ، وَالْمُجْتَهِدُ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَكَمَنْ رَأَى زَانِيًا بِأَهْلِهِ وَهُوَ مُحْصَنٌ فَقَتَلَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSهَذَا لَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ الْوَاضِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ تَعَالَى إنَّمَا وَضَعَ اللُّغَةَ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَعَارَفهُ النَّاسُ مِنْ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الشَّرْعِ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْقَامُوسَ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ الْمَجَازَاتِ اللُّغَوِيَّةَ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَعْمَلَةً بِوَضْعٍ شَرْعِيٍّ، وَالْمَجَازُ لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ شَخْصِهِ بَلْ يَكْفِي سَمَاعُ نَوْعِهِ (قَوْلُهُ: بِزِيَادَةِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ) أَيْ لُغَةً وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ مَصْدَرٌ مَزِيدٌ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُجَرَّدِ (قَوْلُهُ: لَا حَدَّ لَهَا) ع: الْأَحْسَنُ لَا عُقُوبَةَ لَهَا لِيَشْمَلَ الْجِنَايَةَ عَلَى الْأَطْرَافِ بِقَطْعِهَا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّارِحُ وَمُرَادُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي سَرِقَةٍ) أَيْ فِي بَيَانِ حُكْمِ سَرِقَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى بِهِ عَلِيٌّ) أَيْ بِالتَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَنْتَفِي مَعَ انْتِقَائِهِمَا) أَيْ بِأَنْ يَفْعَلَ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَلَا يُعَزَّرُ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: لِخَبَرِ: أَقِيلُوا) أَيْ وُجُوبًا مَا لَمْ يَرَ الْمَصْلَحَةَ فِي عَدَمِ الْإِقَالَةِ (قَوْلُهُ: عَثَرَاتِهِمْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ.
ثَانِيهِمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَثْرَةِ أَوَّلُ زَلَّةٍ وَلَوْ مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى مَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ حَجّ: وَفِي عَثَرَاتِهِمْ: أَيْ الْمُرَادِ بِهَا وَجْهَانِ: صَغِيرَةٌ لَا حَدَّ، فِيهَا، وَأَوَّلُ زَلَّةٍ: أَيْ وَلَوْ كَبِيرَةً صَدَرَتْ مِنْ مُطِيعٍ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ) أَيْ الْعَثَرَاتِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ كَلَامَهُ صَرِيحٌ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ تَعْزِيرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ الصَّغَائِرِ (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ عُمَرَ عَزَّرَ جَمْعًا) إيرَادُ هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ الْمُعَزَّرَ عَلَيْهِ صَغِيرَةٌ، وَأَوَّلُ زَلَّةٍ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَثْرَةَ هِيَ ذَلِكَ، وَهُوَ وَاقِعَةٌ حَالٌ فِعْلِيَّةٌ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَكَمَنْ رَأَى زَانِيًا بِأَهْلِهِ وَهُوَ مُحْصَنٌ فَقَتَلَهُ) قَضِيَّةُ السِّيَاقِ حُرْمَةُ الْقَتْلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا انْتَفَى فِيهِ التَّعْزِيرُ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ وَالْكَفَّارَةِ عَنْهُ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ عَقِبَهُ وَإِلَّا حَلَّ قَتْلُهُ إلَخْ عَدَمُ حُرْمَتِهِ فَلْيُرَاجِعْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
أَقُولُ: قَدْ يَمْنَعُ كَوْنُ الْجَوَازِ قَضِيَّتَهُ لِإِمْكَانِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ لِإِمْكَانِ رَفْعِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQضِدُّ ذَلِكَ الْإِهَانَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ قَالَ فِي سَرِقَةِ تَمْرٍ دُونَ نِصَابٍ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ مَقُولُ الْقَوْلِ جَمِيعٌ فِي سَرِقَةِ تَمْرٍ إلَخْ أَوْ خُصُوصِ غُرْمِ مِثْلِهِ وَجَلَدَاتٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي سَرِقَةٍ إلَخْ بَيَانًا لِمَا قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْعَثَرَاتِ كَمَا هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ أَوَّلُ زَلَّةٍ: أَيْ وَلَوْ كَبِيرَةً صَدَرَتْ مِنْ مُطِيعٍ (قَوْلُهُ: وَفِعْلُ عُمَرَ اجْتِهَادٌ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَأَيْضًا فَإِيرَادُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ الْمُعَزَّرَ عَلَيْهِ صَغِيرَةٌ أَوْ

الصفحة 19