كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 8)

الْأَرْبَعِينَ فِي حَدِّ الشُّرْبِ، وَكَمَنْ زَنَى بِأُمِّهِ فِي الْكَعْبَةِ صَائِمًا رَمَضَانَ مُعْتَكِفًا مُحْرِمًا فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَالْعِتْقُ وَالْبَدَنَةُ، وَيُعَزَّرُ لِقَطْعِ رَحِمِهِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْكَعْبَةِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الْحَدِّ مَا لَوْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ عُزِّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَانَ قَتْلُهُ لِإِصْرَارِهِ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ جَدِيدَةٌ، وَإِنْ أَسْلَمَ عُزِّرَ وَلَا حَدَّ فَلَمْ يَجْتَمِعَا، وَقَدْ يُوجَدُ حَيْثُ لَا مَعْصِيَةَ كَفِعْلِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ مَا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ، وَكَمَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ الْمُبَاحِ فَلِلْوَالِي تَعْزِيرُ الْآخِذِ وَالدَّافِعِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ لِلْمَصْلَحَةِ، وَكَنَفْيِ الْمُخَنَّثِ لِلْمَصْلَحَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْتَكِبْ مَعْصِيَةً

، وَيَحْصُلُ التَّعْزِيرُ (بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ) غَيْرِ مُبَرِّحٍ (أَوْ صَفْعٍ) وَهُوَ الضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ أَوْ بَسْطِهَا (أَوْ تَوْبِيخٍ) بِاللِّسَانِ أَوْ تَغْرِيبٍ دُونَ سَنَةٍ فِي الْحُرِّ وَدُونَ نِصْفِهَا فِي ضِدِّهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا، أَوْ قِيَامٌ مِنْ الْمَجْلِسِ أَوْ كَشْفِ رَأْسٍ أَوْ تَسْوِيدِ وَجْهٍ أَوْ حَلْقِ رَأْسٍ لِمَنْ يَكْرَهُهُ فِي زَمَنِنَا لَا لِحْيَةٍ وَإِنْ قُلْنَا بِكَرَاهَتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِرْكَابِهِ الْحِمَارَ مَنْكُوسًا وَالدَّوَرَانِ بِهِ كَذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ وَتَهْدِيدِهِ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ، وَجَوَّزَ الْمَاوَرْدِيُّ صَلْبَهُ حَيًّا مِنْ غَيْرِ مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَيَّامِ، وَلَا يُمْنَعُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي لَا مُومِيًا خِلَافًا لَهُ، عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ بِكُلِّ مُعَزَّرٍ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ وَبِجِنَايَتِهِ، وَأَنْ يُرَاعِيَ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّدْرِيجِ مَا مَرَّ فِي دَفْعِ الصَّائِلِ فَلَا يَرْقَى
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ وَقَدْ يُوجَدُ) أَيْ التَّعْزِيرُ (قَوْلُهُ: مَا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ يُحَدُّ عَلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: وَكَمَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ الْمُبَاحِ) أَيْ أَمَّا مَنْ يَكْتَسِبُ بِالْحَرَامِ فَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فِي الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي مِصْرِنَا مِنْ اتِّخَاذِ مَنْ يَذْكُرُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةً، وَأَكْثَرُهَا أَكَاذِيبُ فَيُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا يَأْخُذُهُ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى دَافِعِهِ وَإِنْ وَقَعَتْ صُورَةُ اسْتِئْجَارٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَاسِدٌ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ قَوْلَهُ وَكَمَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ الْمُبَاحِ كَاللَّعِبِ بِالطَّارِّ وَالْغِنَاءِ فِي الْقَهَاوِي مَثَلًا، وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْمُسَمَّى بِالْمِزَاحِ (قَوْلُهُ: وَكَنَفْيِ الْمُخَنَّثِ لِلْمَصْلَحَةِ) أَيْ وَهُوَ الْمُتَشَبِّهُ بِالنِّسَاءِ، وَمِنْهَا دَفْعُ مَنْ يُنْظَرُ إلَيْهِ حِينَ التَّشَبُّهِ أَوْ مَنْ يُرِيدُ التَّشَبُّهَ بِالنِّسَاءِ بِأَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ عَلِمَ أَنْ لَا يَزْجُرَهُ إلَّا الْمُبَرِّحِ امْتَنَعَ) نُسْخَة وَالْأَوْلَى إسْقَاطُهَا؛ لِأَنَّهَا تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ وَكَمَنْ لَا يُفِيدُ فِيهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْقُولًا) لَعَلَّ الْكَلَامَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مَنْقُولًا فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَإِلَّا فَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ صَرِيحَةٌ فِيهِ حَيْثُ قَالَ فَيَنْقُصُ فِي تَعْزِيرِ الْحُرِّ بِالضَّرْبِ عَنْ أَرْبَعِينَ وَبِالْحَبْسِ أَوْ النَّفْيِ عَنْ سَنَةٍ وَفِي تَعْزِيرِ غَيْرِهِ بِالضَّرْبِ عَنْ عِشْرِينَ وَبِالْحَبْسِ أَوْ النَّفْيِ عَنْ نِصْفِ سَنَةٍ (قَوْلُهُ: لَا لِحْيَةٍ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِحَلْقِهَا، قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ ع: هَذَا الْكَلَامُ ظَاهِرُهُ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ حَلْقَ اللِّحْيَةِ لَا يُجْزِي فِي التَّعْزِيرِ لَوْ فَعَلَهُ الْإِمَامُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَجُوزُ بِحَلْقِ اللِّحْيَةِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ وَفِي حَجّ: وَيَجُوزُ حَلْقُ رَأْسِهِ لَا لِحْيَتِهِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يَجُوزُ تَسْوِيدُ وَجْهِهِ اهـ.
قَالَ م ر: وَلَيْسَ عَدَمُ جَوَازِ حَلْقِ اللِّحْيَةِ مَبْنِيًّا عَلَى حُرْمَةِ حَلْقِ اللِّحْيَةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ؛ لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قُلْنَا بِكَرَاهَتِهِ) أَيْ إذَا فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَإِرْكَابِهِ الْحِمَارَ) أَيْ مَثَلًا (قَوْلُهُ: فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّدْرِيجِ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي زَمَنِنَا مِنْ تَحْمِيلِ بَابٍ لِلْمُعَزَّرِ وَثَقْبِ أَنْفِهِ أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مِنْ اجْتِمَاعِ التَّعْزِيرِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فَلَعَلَّ هُنَا سَقْطًا فِي النُّسَخِ

(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا) هَذَا عَجِيبٌ مَعَ أَنَّهُ فِي شَرْحِ الْأَذْرَعِيِّ الَّذِي هُوَ نُصْبَ عَيْنِ الشَّارِحِ لِكَثْرَةِ اسْتِمْدَادِهِ مِنْهُ مَنْقُولٌ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ بَلْ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَعِبَارَتُهُ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لِلْإِمَامِ النَّفْيُ فِي التَّعْزِيرِ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مُدَّتَهُ مُقَدَّرَةٌ بِمَا دُونَ السَّنَةِ وَلَوْ بِيَوْمٍ كَيْ لَا يُسَاوِيَ التَّغْرِيبَ فِي الزِّنَا، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْهَرَوِيُّ فِي الْإِشْرَاقِ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ نَقَلَ:

الصفحة 21