كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 8)

أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ أَوْ قَبْلَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عِتْقِهِنَّ، وَمَنْ فَعَلَهُ مِنْهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ لَا نَرَى بِالنُّونِ لَا بِالْيَاءِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الطُّرُقِ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَيْهِ اهـ. وَكَمَا يَحْرُمُ بَيْعُهَا لَا يَصِحُّ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا لَمْ يَرْتَفِعْ الْإِيلَادُ فَإِنْ ارْتَفَعَ بِأَنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَيْسَتْ لِمُسْلِمٍ وَسُبِيَتْ وَصَارَتْ قِنَّةً صَحَّ جَمِيعُ ذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ يَجُوزُ بَيْعُهَا: الْأُولَى الْمَرْهُونَةُ رَهْنًا وَضْعِيًّا أَوْ شَرْعِيًّا حَيْثُ كَانَ الْمُسْتَوْلِدُ مُعْسِرًا حَالَ الْإِيلَادِ. الثَّانِيَةُ: الْجَانِيَةُ وَسَيِّدُهَا كَذَلِكَ، الثَّالِثَةُ: مُسْتَوْلَدَةُ الْمُفْلِسِ.
الرَّابِعَةُ بَيْعُهَا مِنْ نَفْسِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَبَيْعِهَا فِي ذَلِكَ هِبَتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِهَا لِاحْتِيَاجِهَا إلَى الْقَبُولِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعِتْقُ يَقَعُ عَقِبَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَدِدْت لَوْ قِيلَ بِجَوَازِ بَيْعِهَا مِمَّنْ تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِقَرَابَةٍ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي صِحَّةُ بَيْعِهَا مِمَّنْ تَعْتِقُ عَلَيْهِ كَأَصْلِهَا أَوْ فَرْعِهَا أَيْ وَمَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهَا اهـ. وَهُوَ مَرْدُودٌ. الْخَامِسَةُ إذَا سُبِيَ سَيِّدُ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَاسْتَرَقَّ فَيَصِحُّ بَيْعُهَا وَلَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ. السَّادِسَةُ إذَا كَانَتْ حَرْبِيَّةً وَقَهَرَهَا حَرْبِيٌّ آخَرُ مَلَكَهَا، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ تَجُوزُ كِتَابَةُ أُمِّ الْوَلَدِ

(وَرَهْنُهَا وَهِبَتُهَا) أَمَّا الْهِبَةُ فَلِأَنَّهَا نَقْلُ مِلْكٍ إلَى الْغَيْرِ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ عَلَى ذَلِكَ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ أُمِّ الْوَلَدِ حُكْمُ الْقِنَّةِ إلَّا فِيمَا يَنْتَقِلُ بِهِ الْمِلْكُ أَوْ يُؤَدِّي إلَى انْتِقَالِهِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِرَهْنِهَا مَعَ فَهْمِهِ مِنْ تَحْرِيمِ بَيْعِهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ تَعَاطِيَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْمَقْصُودُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ، وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا وَلَا وَقْفُهَا وَلَا تَدْبِيرُهَا. وَظَاهِرٌ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ الَّتِي يَجُوزُ بَيْعُهَا لِعَلَقَةِ رَهْنٍ وَضْعِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ أَوْ جِنَايَةٍ أَوْ نَحْوِهَا تَمْتَنِعُ هِبَتُهَا

(وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا فَالْوَلَدُ لِلسَّيِّدِ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ كَهِيَ) لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَكَذَا فِي سَبَبِهَا اللَّازِمِ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً أَمْ لَا، فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ بَقِيَ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ، وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّذِي يَزُولُ فِيهَا حُكْمُ الْمَتْبُوعِ وَيَبْقَى حُكْمُ التَّابِعِ كَمَا فِي نِتَاجِ الْمَاشِيَةِ فِي الزَّكَاةِ، وَالْوَلَدُ الْحَادِثُ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُخْتَلِفِي الْحُكْمِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ مَا يُعْتَبَرُ بِالْأَبَوَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فِي الْأَكْلِ وَحِلِّ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَالزَّكَاةِ وَالتَّضْحِيَةِ بِهِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ سَهْمَ الْغَنِيمَةِ. وَالثَّانِي مَا يُعْتَبَرُ بِالْأَبِ خَاصَّةً وَذَلِكَ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ: النَّسَبِ وَتَوَابِعِهِ، وَالْحُرِّيَّةِ إذَا كَانَ مِنْ أَمَتِهِ أَوْ مِنْ أَمَةٍ غُرَّ بِحُرِّيَّتِهَا أَوْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ مِنْ أَمَةِ فَرْعِهِ، وَالْكَفَاءَةِ وَالْوَلَاءِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأَبِ، وَقَدْرِ الْجِزْيَةِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ، وَسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى.
وَالثَّالِثُ مَا يُعْتَبَرُ بِالْأُمِّ خَاصَّةً وَهُوَ شَيْئَانِ. وَالْحُرِّيَّةُ إذَا كَانَ أَبُوهُ رَقِيقًا، وَالرِّقُّ إذَا كَانَ أَبُوهُ حُرًّا وَأُمَّهُ رَقِيقَةً إلَّا فِي صُوَرٍ وَلَدِ أَمَتِهِ وَمَنْ غُرَّ بِحُرِّيَّتِهَا وَمَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ أَوْ أَمَتَهُ وَوَلَدِ أَمَةِ فَرْعِهِ وَحَمْلِ حَرْبِيَّةٍ مِنْ مُسْلِمٍ وَقَدْ سَبَقَتْ، وَالرَّابِعُ مَا يُعْتَبَرُ بِأَحَدِهِمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَا يُعْتَبَرُ بِأَشْرَفِهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSمُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: رَهْنًا وَضْعِيًّا) أَيْ بِأَنْ رَهَنَهَا الْمَالِكُ فِي حَيَاتِهِ وَالشَّرْعِيُّ بِأَنْ يَمُوتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَالتَّرِكَةُ مَرْهُونَةٌ بِهِ رَهْنًا شَرْعِيًّا (قَوْلُهُ: وَسَيِّدُهَا كَذَلِكَ) أَيْ مُعْسِرًا حَالَ الْإِيلَادِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ) أَيْ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ

(قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ تَعَاطِيَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ) وَنُقِلَ عَنْ حَجّ فِي الزَّوَاجِرِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَلْيُرَاجَعْ، لَكِنْ تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: عَلَى عِتْقِهِنَّ) مُتَعَلِّقٌ بِاسْتَدَلَّ وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: الْأَوْلَى الْمَرْهُونَةُ إلَخْ) هَذِهِ وَالْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ بَعْدَهَا لَا تُسْتَثْنَى لِأَنَّ صِحَّةَ بَيْعِهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ إيلَادِهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِهَا) أَيْ لِنَفْسِهَا: أَيْ فَتَحْرُمُ: أَيْ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ.

(قَوْلُهُ: وَجَزَاءُ الصَّيْدِ) أَيْ مَا يُجْعَلُ جَزَاءً لِصَيْدٍ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يَجْزِي فِي الْجَزَاءِ وَالْآخَرُ لَا يَجْزِي (قَوْلُهُ: وَاسْتِحْقَاقِ سَهْمِ الْغَنِيمَةِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْكُوبِ كَمَا إذَا كَانَ مُتَوَلِّدًا بَيْنَ مَا يُسْهَمُ لَهُ وَمَا يُرْضَخُ لَهُ (قَوْلُهُ: لِمَوَالِي الْأَبِ) أَيْ حَيْثُ أَمْكَنَ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِمَوَالِي الْأُمِّ قَبْلَ عِتْقِ الْأَبِ (قَوْلُهُ: وَقَدْرِ الْجِزْيَةِ) يُتَأَمَّلُ

الصفحة 437