كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 8)
الْعَلِيَّاتِ بِجُهْدِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِ فِعْلِهِمْ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ ابْتِدَاءُ فَضْلٍ مِنْهُ وَلُطْفٍ، فَلِذَلِكَ خَتَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ هَذَا التَّأْلِيفِ الْعَظِيمِ ذِي النَّفْعِ الْعَمِيمِ الْمُوصِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْفَوْزِ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ إشَارَةً لِذَلِكَ، وَعَقَّبَ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ الَّتِي جَمَعَهَا مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُكْرًا لِمَا أَوْلَاهُ مِنْ إنْعَامِهِ الْجَسِيمِ، لِأَنَّهُ الْآتِي بِأَحْكَامِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ الْحَكِيمِ الْمُضَمَّنَةِ لِهَذَا الْمِنْهَاجِ الْقَوِيمِ بِقَوْلِهِ (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَاخْتِمْ لَنَا بِخَيْرٍ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، وَافْعَلْ ذَلِكَ بِإِخْوَانِنَا وَأَحْبَابِنَا وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ) .
وَكَمَا خَتَمْنَا بِالْكَلَامِ عَلَى الْعِتْقِ كَلَامَنَا فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعْتِقَ مِنْ النَّارِ رِقَابَنَا، وَيَجْعَلَ إلَى الْجَنَّةِ مَصِيرَنَا وَمَآبَنَا، وَيُسَهِّلَ عِنْدَ سُؤَالِ الْمُلْكَيْنِ جَوَابَنَا، وَيُثَقِّلَ عِنْدَ الْوَزْنِ حَسَنَاتِنَا، وَيُثَبِّتَ عَلَى الصِّرَاطِ أَقْدَامَنَا، وَيُمَتِّعَنَا بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ فَهُوَ غَايَةُ آمَالِنَا، وَأَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ خَالِصًا لِوَجْهِ إلَهِنَا، وَأَنْ يَجْعَلَهُ حُجَّةً لَنَا لَا حُجَّةً عَلَيْنَا، حَتَّى نَتَمَنَّى أَنَّنَا مَا كَتَبْنَاهُ وَمَا قَرَأْنَاهُ. وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَخْتِمَ بِالصَّالِحَاتِ أَعْمَالَنَا، وَأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِنَا وَبِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَنَخْتِمُ الْكِتَابَ بِمَا بَدَأْنَا بِهِ مِنْ حَمْدِ اللَّهِ الَّذِي يُبْدِي وَيُعِيدُ، وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْمَخْصُوصِ بِعُمُومِ الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْوَعِيدِ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ الْجَوْرِ وَفِتْنَةِ الْأَمَلِ الْبَعِيدِ، وَنَسْأَلُهُ الْفَوْزَ يَوْمَ يُقَالُ فُلَانٌ شَقِيٌّ وَفُلَانٌ سَعِيدٌ.
وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ تَأْلِيفِهِ عَلَى يَدِ فَقِيرِ عَفْوِ رَبِّهِ وَأَسِيرِ وَصْمَةِ ذَنْبِهِ مُؤَلِّفِهِ " مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمْزَةَ " الرَّمْلِيِّ الْأَنْصَارِيِّ الشَّافِعِيِّ غَفَرَ اللَّهُ ذَنْبَهُ، وَسَتَرَ عَيْبَهُ، وَرَحِمَ شَيْبَهُ.
بِتَارِيخِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْغَرَّاءِ تَاسِعَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَتِسْعمِائَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، أَحْسَنَ اللَّهُ بِخَيْرٍ تَمَامَهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــSتَمَّ تَجْرِيدُ هَذِهِ الْحَوَاشِي الْمُفِيدَةِ الَّتِي أَمْلَاهَا مُحَقِّقُ الْعَصْرِ وَنَادِرَةُ الدَّهْرِ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الضِّيَاءِ وَالنُّورِ عَلِيّ الشبراملسي شَيْخِ الْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ بِجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَخَادِمِ السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ وَحَدِيثِهَا الصَّحِيحِ الْأَنْوَرِ، - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَظِيمٍ إلَى مَا بَعْدَهُ فِي الْفِقْرَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: بِجَهْدِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِ عَمَلِهِمْ) أَيْ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ ابْتِدَاءُ فَضْلٍ) لِأَنَّ نَفْسَ الْأَعْمَالِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْمِنَّةُ لَهُ فِيهَا وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ عَلَيْهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَعَدَ بِوَعْدِهِ الصَّادِقِ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا مُتَرَتِّبًا عَلَى هَذَا، وَهَذَا هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72] فَلَا تَنَافِي بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ مَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ الْمُوَافِقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ الْجَنَّةَ عَمَلُهُ» (قَوْلُهُ الْمُتَضَمِّنَةِ لِهَذَا الْمِنْهَاجِ الْقَوِيمِ) أَيْ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ الْمُشَاهَدِ الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ أَمْرُ مِلَّتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْمِنْهَاجِ الْكِتَابُ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ الْمُتَضَمِّنَةِ لِأَحْكَامِ هَذَا الْمِنْهَاجِ الْقَوِيمِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) أَيْ مُؤْمِنِي جَمِيعِ أُمَّتِهِ كَمَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَقَامِ الدُّعَاءِ وَلِيَشْمَلَ الصَّحْبَ وَعَلَيْهِ فَعَطْفُ الْأَزْوَاجِ وَالذُّرِّيَّةِ مِنْ عَطْفِ الْأَخَصِّ (قَوْلُهُ: وَكَمَا خَتَمْنَا بِالْكَلَامِ عَلَى الْعِتْقِ كَلَامَنَا) أَيْ تَفَاؤُلًا بِالْعِتْقِ مِنْ النَّارِ كَمَا قَالُوهُ فِي حِكْمَةِ خَتْمِ الْأَصْحَابِ كُتُبَهُمْ الْفِقْهِيَّةَ بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ فَنَسْأَلُ اللَّهَ إلَخْ: مَعْنَاهُ نَسْأَلُهُ أَنْ يُحَقِّقَ هَذَا الَّذِي أَمَلْنَاهُ بِهَذَا التَّفَاؤُلِ، وَالضَّمِيرُ فِي خَتَمْنَا وَمَا بَعْدَهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلشَّارِحِ وَالْمُصَنِّفِ، نَعَمْ الضَّمِيرَانِ فِي نَسْأَلُهُ وَفِي جَوَابِنَا إنَّمَا يَلِيقَانِ بِالشَّارِحِ فَقَطْ، وَالْمُرَادُ بِالْخَتْمِ الْخَتْمُ الْإِضَافِيُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
الصفحة 445
448