كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 8)

النَّاسِ فَأَقْرَبُ مَحَلٍّ إلَيْهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ (وَفِي قَوْلٍ يُصْلَبُ) حَيًّا (قَلِيلًا، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُقْتَلُ) ؛ لِأَنَّ الصَّلْبَ عُقُوبَةٌ فَيُفْعَلُ بِهِ حَيًّا، وَاعْتُرِضَ قَوْلُهُ قَلِيلًا بِأَنَّهُ زِيَادَةٌ لَمْ تُحْكَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَانَ أَحَدُ أَوْجُهِ ثَلَاثَةٍ مُفَرَّعَةٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا أَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهِ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، فَإِذَا حَفِظَا أَنَّ قَلِيلًا مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الْقَوْلِ قُدِّمَا، ثُمَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَدْنَى زَمَنٍ يَنْزَجِرُ بِهِ عُرْفًا غَيْرُهُ، وَأَفْهَمَ تَرْتِيبُهُ الصَّلْبَ عَلَى الْقَتْلِ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ وَبِقَتْلِهِ بِغَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ كَقَوَدٍ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ إذْ التَّابِعُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ مَتْبُوعِهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْآيَةَ، فَإِنَّهُ جَعَلَ أَوْ فِيهَا لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ حَيْثُ قَالَ: الْمَعْنَى أَنْ يُقْتَلُوا إنْ قَتَلُوا أَوْ يُصْلَبُوا مَعَ ذَلِكَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ أَخَذُوهُ فَقَطْ، أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ إنْ أَرْعَبُوا وَلَمْ يَأْخُذُوهُ، وَهَذَا مِنْهُ إمَّا تَوْقِيفٌ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَوْ لُغَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ مِثْلِهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ فِيهِ بِالْأَغْلَظِ فَكَانَ مُرَتَّبًا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ التَّخْيِيرُ لَبَدَأَ بِالْأَخَفِّ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ

(وَمَنْ أَعَانَهُمْ وَكَثَّرَ جَمْعَهُمْ) مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ (عُزِّرَ بِحَبْسٍ وَتَغْرِيبٍ وَغَيْرِهِمَا) كَبَقِيَّةِ الْمَعَاصِي، وَتَعْبِيرُ أَصْلِهِ بِأَوْ لَا يُنَافِي كَلَامَ الْمُصَنِّفِ إذْ الْمَرْجِعُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِيمَنْ أَخَافُوا الطَّرِيقَ (وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ التَّغْرِيبُ إلَى حَيْثُ يَرَاهُ) الْإِمَامُ وَمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ (وَقِيلَ الْقَاطِعُ) الْمُتَحَتِّمُ (يَغْلِبُ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ) إذْ الْأَصْلُ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْآدَمِيِّ تَغْلِيبُ الثَّانِي لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى التَّضْيِيقِ (وَفِي قَوْلٍ الْحَدِّ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَفْوِ عَنْهُ وَيَسْتَقِلُّ الْإِمَامُ بِاسْتِيفَائِهِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَ (لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ) وَإِنْ سَفَلَ (وَذِمِّيٌّ) وَقِنٌّ لِلْأَصَالَةِ أَوْ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَلْ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ أَوْ الْقِيمَةُ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا (لَوْ) (مَاتَ) الْقَاطِعُ بِلَا قَطْعٍ (فَدِيَةٌ) لِلْمَقْتُولِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ حُرًّا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ (وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (لَوْ قَتَلَ جَمْعًا) مَعًا (قُتِلَ بِوَاحِدٍ وَلِلْبَاقِينَ دِيَاتٌ) فَإِنْ قَتَلَهُمْ مُرَتِّبًا قُتِلَ بِالْأَوَّلِ (وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (لَوْ عَفَا وَلِيُّهُ بِمَالٍ وَجَبَ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَيُقْتَلُ حَدًّا) كَمَا لَوْ وَجَبَ قَتْلٌ عَلَى مُرْتَدٍّ فَعَفَا عَنْهُ وَلِيُّهُ (وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (لَوْ قُتِلَ بِمُثْقَلٍ أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ فَعَلَ بِهِ مِثْلَهُ) رِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْقَوَدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: ثُمَّ الَّذِي يَتَّجِهُ) أَيْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ مِثْلِهِ) أَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَوْلُهُ: بَدَأَ فِيهِ بِالْأَغْلَظِ) قَدْ يُشْكِلُ بِأَنَّ الصَّلْبَ مَعَ الْقَتْلِ أَغْلَظُ مِنْ الْقَتْلِ وَحْدَهُ فَلَا يَتِمُّ مَا ذُكِرَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِينَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الصَّلْبَ مَعَ الْقَتْلِ، لَكِنَّ الْقَتْلَ مَعَ الصَّلْبِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ فَالْمَنْدُوبَةُ فِيهَا هُوَ الْأَغْلَظُ نَظَرًا لِمَا فُهِمَ

(قَوْلُهُ: الْمُتَحَتِّمُ) خَرَجَ قَتْلُهُ لِقَوَدٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَقَتْلُهُ لِقَوَدٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ السَّابِقِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ اهـ سم عَلَى حَجّ: أَيْ فَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ بَلْ قَتْلُهُ لِلْقَوَدِ قَطْعًا (قَوْلُهُ: وَحَقُّ الْآدَمِيِّ تَغْلِيبٌ) قَدْ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا مَرَّ مِنْ تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ تَقْدِيمًا لِحَقِّ اللَّهِ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ فِي الزَّكَاةِ حَقَّ آدَمِيٍّ أَيْضًا فَإِنَّهَا تَجِبُ لِلْأَصْنَافِ فَلَعَلَّ تَقْدِيمَهَا لَيْسَ مُتَمَحِّضًا لِحَقِّ اللَّهِ بَلْ لِاجْتِمَاعِ الْحَقَّيْنِ فَقُدِّمَتْ عَلَى مَا فِيهِ حَقٌّ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِ الْحَدِّ) أَيْ مَضَى الْحَدُّ مَحَلِّيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ حَدًّا) أَيْ وَظَاهِرُ تَخْصِيصِ الْقَتْلِ حَدًّا بِهَذِهِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ فِيمَا لَوْ قَتَلَ وَلَدَهُ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ قِنًّا حَدًّا، كَمَا لَا يُقْتَلُ قِصَاصًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: أَوْ لُغَةٌ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ أَوْ تُرَدُّ لِلتَّنْوِيعِ مِمَّا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى كَوْنِهِ مِنْ مِثْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ حُجَّةً، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي إرَادَتِهِ فِي الْآيَةِ، وَلَا طَرِيقَ لِذَلِكَ إلَّا التَّوْقِيفُ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ كَابْنِ حَجَرٍ أَنَّ هَذَا الْمُرَادَ فَهِمَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ الْآيَةِ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُ يَفْهَمُ مِنْ أَسْرَارِهَا مَا لَا يَفْهَمُهُ غَيْرُهُ

(قَوْلُهُ: الْقَاطِعُ بِلَا قَطْعٍ) صَوَابُهُ الْقَاتِلُ بِلَا قَتْلٍ: أَيْ قِصَاصًا

الصفحة 7