كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (اسم الجزء: 8)

8/ أالمؤمنين، جنده جندك، أمرتهم بطاعته/ فأطاعوه. فدعا أبا إسحاق وقال: أنت المبايع لعدو الله أبي مسلم على مَا كَانَ يفعل. فجعل يلتفت يمينا وشمالا تخوفا من أبي مسلم.
فَقَالَ لَهُ المنصور: تكلم بما أردت، فقد قتل اللَّه الفاسق. وأمر بإخراجه إِلَيْهِ مقطعا، فخر أَبُو إسحاق ساجدا، فأطال السجود وَقَالَ: الحمد للَّه، والله [1] مَا أمنته يوما واحدا، وما جئته يوما إلا وقد أوصيت وتكفنت وتحنطت. فَقَالَ: استقبل طاعة خليفتك، وأحمد اللَّه الَّذِي أراحك من الفاسق، ثُمَّ دعا مالك بْن الهيثم فكلمه بمثل ذلك، فاعتذر إِلَيْهِ بأنه أمره بطاعته، ثُمَّ أمرهم بتفريق جند أبي مسلم.
وبعث إِلَى عدة من قواد أبي مسلم بجوائز سنية، وأعطى جميع جنوده حَتَّى رضوا [2] .
وَكَانَ أَبُو مسلم قَدْ خلف أصحابه بحلوان وقدم المدائن فِي ثلاثة آلاف، وخلف أبا نصر على ثقله وَقَالَ: أقم حَتَّى يأتيك كتابي، قَالَ: فاجعل بيني وبينك آية أعرف بها كتابك. قال: إن أتاك كتابي مختوما بْنصف خاتم فأنا كتبته، وإن أتاك بخاتم كله فلم أكتبه.
فلما قتل أَبُو مسلم كتب أَبُو جعفر إِلَى أبي نصر كتابا عَنْ لسان أبي مسلم يأمره بحمل ثقله وما خلف عنده، وأن يقدم. وختم الكتاب بخاتم أبي مسلم، فلما رأى أَبُو نصر نقش الخاتم تاما علم أن أبا مسلم لم يكتبه، فَقَالَ: أفعلتموها، وانحدر إلى همدان وهو يريد خراسان، فكتب أَبُو جعفر إِلَى أبي نصر بعهده على شهرزور، فلما مضى العهد جاءه الخبر أنه قد توجه إِلَى خراسان، فكتب أَبُو جعفر إِلَى عامله بهمدان: إن مر بك أَبُو نصر فاحبسه. فأخذه فحبسه، فقدم صاحب [الكتاب] [3] بالعهد لأبي نصر فخلى سبيله، ثُمَّ قدم كتاب آخر بعده بيومين يقول فِيهِ: إن كنت أخذت أبا نصر فاقتله.
فَقَالَ: جاءني كتاب عهده فخليت سبيله [4] .
وقدم أَبُو نصر على أبي جعفر فَقَالَ لَهُ: أشرت على أبي مسلم بالمضي إلى
__________
[1] في الأصل: «والّذي ما أمنته» وما أثبتناه من ت.
[2] انظر تاريخ الطبري 7/ 492- 493.
[3] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل وما أثبتناه من ت.
[4] انظر: تاريخ الطبري 7/ 494.

الصفحة 14