كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 8)

@ 469 @
المرابطون من واديه ونهب جميع ما فيه ولم يبقوا على سبد ولا لبد وسلبوا الناس ثيابهم فخرجوا من مساكنهم يسترون عوراتهم بأيديهم وسبي المخدرات وانتهكت الحرمات فأخذ المعتمد أسيرا ومعه أولاده الذكور والإناث لعد أن استأصلوا جميع مالهم فلم يصحبهم من ملكهم بلغة زاد
وقيل إن المعتمد سلم البلد بأمان وكتب نسخة الأمان والعهد واستحلفهم به لنفسه وأهله وماله وعبيده وجميع ما يتعلق بأسبابه فلما سلم إليهم إشبيلية لم يفوا له وأخذوهم أسراء وما لهم غنيمة وسير المعتمد وأهله إلى مدينة أغمات فحبسوا فيها وفعل أمير المسلمين بهم أفعالا لم يسلكها أحد ممن قبله ولا يفعله أحد ممن يأتي بعده إلا من رضي لنفسه بهذه الرذيلة وذلك أنه سجنهم فلم يجر عليهم ما يقوم بهم حتى كان بنات المعتمد يغزلن للناس بأجرة ينفقونها على أنفسهم
وذكر ذلك المعتمد في أبيات ترد عنه ذكر وفاته فأبان أمير المسلمين بهذا الفعل عن صغر نفس ولؤم وقدرة
وهذه أغمات مدينة في سفح جبل بالقرب من مراكش وسيرد من المعتمد عند موته سنة ثمان وثمانين ما يعرف به محله
قال أبو بكر بن اللبانة زرت المعتمد بعد أسره بأغمات وقلت أبيات عند دخولي إليه منها
( لم أقل في الثقاف كان ثقافا ... كنت قلبا به وكان شغافا )
( يمكث الزهر في الكمام ولكن ... بعد مكث الكمام يدنو قطافا )
( وإذا ما الهلال غاب بغيم ... بم يكن ذلك المغيب انكسافا )
( إنما أنت درة للمعالي ... ركب الدهر فوقها أصدافا )
( حجب البيت منك شخصا كريما ... مثل ما تحجب الدنان السلافا )
( أنت للفضل كعبة ولو اني ... كنت أستطيع لالتزمت الطوافا )
قال وجرت بيني وبينه مخاطبات ألذ من غفلات الرقيب وأشهى من رشفات الحبيب وأدل على السماح من فجر على صباح ولما أخذ المعتمد وأهله قتل ولداه الفتح ويزيد بين يديه صبرا فقال في ذلك
( يقولون صبرا لا سبيل إلى الصبر ... سأبكي وأبكي ما تطاول من عمري )

الصفحة 469