كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 101
النهي عن العموم بل عموم النهي ، أي انته عن كل حلاف فالنهي أصل والكل وارد عليه ، كما تقدم تخريج مثله في آخر البقرة في قوله تعالى
77 ( ) والله لايحب كل كفار أثيم ( ) 7
[ البقرة : 276 ] وهذه الأوصاف متفرخة من الكذب وخبث السجية ، فهي كالتفصيل ، فكثرة الحلف دالة على فساد القوة العلمية فنشأ عنها سقوط تعظيم الحق ، فصار صاحبها لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ، فلذلك يحلف صادقاً وكاذباً كيفما اتفق ) مهين ) أي حقير ضعيف سافل الهمة والمروءة سافل الرأي ، لأن ا لإنسان لا يكثر الحلف إلا وهو يتصور في نفسه أنه لا يصدق إلا بذلك ، لأنه ليس له من المهابة عند من يحدثه والجلالة ما يصدقه بسببه ، وهو مؤثر للبطالة لما فيها من موافقة طبعه ، وذلك هو الحقارة الكبرى .
ولما كان كل من اتصف بصفة ، أحب أن يشاركه الناس فيها أو يقاربوه لا سيما إن كانت تلك الصفة دنية ليسلم من العيب أو الانفراد به ولأن الشيء لما دناه ألف قال : ( هماز ) أي كثير العيب للناس في غيبتهم ، وقال الحسن : هو الذي يغمز بأخيه في المجلس ، أي لأن الهمز العض والعصر والدفع - من المهماز الذي يطعن به في بطون الدواب ، وهو مخصوص بالغيبة كما أن اللمز مخصوص بالمواجهة .
ولما كانت النميمة - وهي نقل الحديث على وجه السعاية - أشد الهمز أفاد أنه يفعله ولا يقتصر على مجرد النقل بل يسعى به إلى غيره وإن بعد فقال تعالى : ( مشاء ) أي كثير المشي ) بنميم ) أي ينقل ما قاله الإنسان في آخر وأذاعه سراً ، لا يريد صاحبه إظهاره على وجه الإفساد للبين مبالغ في ذلك بغاية جهده .
ولما كان من كان هكذا يريد إعلاء نفسه بهضم الناس ، وكان المنع لإرادة الاستئثار بالممنوع ليكون الغير محتاجاً إليه وعاكفاً عليه لأن من طبعه أنه لا يرتبط إلا طمعاً لا شكراً بضد الجواد ، فإنه يرفع نفسه عن المطامع ، ولا يرتبط إلا شكراً على الصنائع فيجود ظناً منه أن الناس كذلك ، قال : ( مناع ) أي كثير المنع شديده ) للخير ) أي كل خير من المال والإيمان وغيرهما من نفسه ومن غيره من الدين والدنيا - إلى غير ذلك .
ولما كان نم يفعل هذه المخازي من الناس ويقتصر في الهمز والنم على الواقع ، وفي المنع على ما له منعه - لئيماً ، بين أنه لا يقنع بذلك ، بل زاد عليه ببذل الجهد فيما يصير به ألأم فقال : ( معتد ) أي ثابت التجاوز للحود في كل ذلك ) أثيم ) أي مبالغ في ارتكاب ما يوجب الإثم فيترك الطيبات ويأخذ الخبائث ويرغب في المعاصي ويتطالبها ، ويدع الطاعات ويزهد فيها .