كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 103
على الحقوق والتكبر على العباد قال : ( أن ) أي لأجل أن ) كان ( هذا الموصوف ) ذا مال ) أي مذكور بالكثرة ) وبنين ( أنعمنا عليه بهما فصار يطاع لأجلهما ، فكان بحيث يجب عليه شكرنا بسببهما ) إذا تتلى ) أي تذكر على سبيل المتابعة ) عليه ( ولو كان ذلك على سبيل الخصوص له ) آياتنا ) أي العلامات الدالة دلالة في غاية الظهور على الملك الأعلى وعلى ما له من صفات العظمة ) قال ) أي فاجأ هذا القول من غير تأمل ولا توقف عوضاً عن الشكر ، ف ( إن ) مع جاره متعلق بما دل عليه الكلام نحو كذب لأجل كونه متمكناً ، ولا يتعلق بقال لأنه جزاء الشرط ، ويجوز أن يتعلق بلا تطع أي لا توجد طاعته لأجل إن كان كذا ، وقرىء بالكسر على أنها شرطية ، فيكون النهي عن طاعته لعلة الغنى مفهماً للنهي عن طاعته عند الوصف بغيره نم باب الأولى كالتعليل بإملاق في الوأد : ( أساطير ( جمع سطور جمع سطر ) الأولين ) أي أشياء سطروها ودونها ، وفرغوا فحمله دنيء طبعه على تكبره بالمال فورطه في التكذيب بأعظم ما يمكن سماعه فجعل الكفر موضع الشكر ولم يستح من كونه يعرف كذبه كل من يسمعه ، فأعرض عن الشكر ووضع موضعه الكفر ، فكان هذا دليلاً على جميع تلك الصفات السابقة مع التعليل بالإسناد إلى ما هو عند العاقل أوهم وأوهى من بيت العنكبوت ، والاستناد إليه وحده كاف في الاتصاف بالرسوخ في الدناءة ، ولا يعمل في ( أن قال ) بل ما دل عليه لأن ما في حيز الشرط لا يعمل فيما قبله .
ولما كان هذا المكذور قد أغرق في الشر فتوقع السامع جزاءه ، قال معلماً أنه يجعل له من الخزي والفضائح ما يصير به شهرة بين الخلائق في الدنيا والآخرة : ( سنسمه ) أي نجعل ما يلحق به من العار ف يالدارين كالوسم الذي لا ينمحي أثره ، تقول العرب : وسمه ميسم سوء .
ولما كان الوسم منكئاً ، وكان جعله في موضع لا يستر أنكأ ، وكان الوجه أشرف ما في الإنسان ، وكان أظهر ما فيه وأكرمه الأنف ، ولذلك جعلوه مكان العز والحمية واشتقوا منه الأنفة قال : ( على الخرطوم ) أي الأنف الطويل جميعه وما قاربه من الحنكين وسماً مستعلياً عليه بوضح جداً ليكون هتكة بين الناس وفضيحة لقومه وذلاً وعاراً ، وكذا كان لعمري له بهذا الذكر الشنيع والذنب القبيح من الكفر وما معه ، وسيكون له يوم الجمع الأعظم ما هو أشنع من هذا على أنه قد حقق في الدنيا هذا الخطم حساً بأنه ضرب يوم بدر ضربة خطمت أنفه - قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، والتعبير عن الأنف بهذا للاستهانة والاستخفاف .
ولما ذكر في أول الملك أنه خلق الموت والحياة للابتلاء في الأعمال ، وختم هنا

الصفحة 103