كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 104
بعيب من يغتر بالمال والبنين وهو يعلم أن الموت وراءه ، أعاد ذكر الابتلاء وأكده لأن أعمالهم مع العلم بأنه عرض زائل أعمال من ظن الملك الثابت والتصرف التام ، فقال : ( إن بلوناهم ) أي عاملنا - على ما لنا من العظمة - الذين نسمهم على الخراطيم من قريش وسائر عبادنا بما وسعنا عليهم به معاملة المختبر مع علمنا بالظاهر والباطن ، فغرهم ذلك وظنوا أنهم أحباب ، ومن قترنا عليه من أوليائنا أعداء ، فاستهانوا بهم ، ونسبوهم لأجل تقللهم في الدنيا إلى السفه والجنون والضلال والفتون ، فيوشك أن تاخذهم بغتة كما فعلنا بأصحاب الجنة ، فكل من رأى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقد ابتلى به ، فإن آمن كان ممن أحسن عملاً ، وإلا كان ممن أساء .
ولما لم تعرف عامة أهل مكة نعمة الله عليهم به ( صلى الله عليه وسلم ) ، أخرجه الله عنهم وأكرمه بأنصار جعله أكرم الكرامات لهم ، وكل من سمع به ولم يؤمن فهو كذلك ، تكون أعماله كهذه الجنة يظنها شيئاً فتخونه أحوج ما يكون إليها ، أو كان ابتلاؤنا لهم بالقحط الذي دعا عليهم به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أكلوا الجيف فما تابوا كما تاب ) كما بلونا ) أي اختبرنا بأن عاملنا معاملة المختبر مع علمنا بالظاهر والباطن ، وحاصله أنه استخرج ما في البواطن ليعلمه العباد في عالم الشهادة كما يعلمه الخالق في عالم الغيب ، أو أنه كناية عن الجزاء ) أصحاب الجنة ( عرفها لأنها كانت شهيرة عندهم وهي سبتان عظيم كان دون صنعاء بفرسخين ، يقال له الضروان ، يطؤه أهل الطريق ، كان صاحبه ينادي الفقراء وقت الصرام ، ويترك لهم ما أخطأ المنجل أو ألقته الريح أو بعد عن البساط الذي يبسط تحت النخلة ، فلما مات شح بنوه بذلك فحلفوا على أن يجذوها قبل الشمس حتى لا يأتي الفقراء إلا بعد فراغهم ، وذلك معنى قوله تعالى : ( إذ ) أي حين ) أقسموا ( ودل علىتأكيد القسم فقال : ( ليصرمنها ( عبر به عن الجذاذ بدلالته على القطع البائن المعزوم عليه المستأثل المانع للفقراء ليكون قطعاً من كل وجه ، من الصريم - لعود يرعض على فم الجدي لئلا يرضع ، ومن الصرماء : المفازة لا ماء بها ، والناقة القليلة اللبن ) مصبحين ) أي داخلين في أو وقت الصباح ) ولا ) أي والحال أنهم لا ) يستثنون ) أي لا يطلبون ولا يوجدون ثنياً - أي عوداً - إلى ما قبل المين بقولهم ( إن شاء الله ) أو غير ذلك من الألفاظ الموجبة لأن يكون لشيء من جنتهم مطلقاً غير ممنوع ، وسمي ذلك استثناء لأنه أخراج لشيء يكون حكمه غير المذكور أولاً ، وكان الأصل فيه : إلا أن يشاء الله ، وألحق به إن شاء الله لرجوعه إليه في اتحاد الحكم ) فطاف ) أي فتسبب عن عملهم هذا الطامع أن طاف ) عليها ) أي جنتهم ) طائف ) أي عذاب مهلك محيط مع أنه أمر يسير جداً عند الله وإن كان عظيماً بالنسبة إليها لأنه لم يدع منها شيئاً ،

الصفحة 104