كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 108
قولهم : ( عسى ) أي يمكن أن يكون وهو جدير وخليق بأن يكون ) ربنا ) أي الذي أحسن إلينا بتربية هذه الجنة وبإهلاك ثمرها الآن تأديباً لنا ) أن يبدلنا ) أي من جنتنا شيئاً ) خيراً منها ( يقيم لنا أمر معاشنا فتنقلب أحوالنا هذه التي نحن فيها من الهموم والبذاذة بسرور ولذاذة بما أفاده إيقاع الفعل على ضميرهم ، وقراءة أبي عمرو ونافع بالتشديد وقراءة الباقين بالتخفيف وهما متقاربان غير أن التشديد يدل على التدريج ، فالتخفيف أبلغ معنى : وإنما تعلق رجاؤنا بسبب توبتنا وعلمنا بأن ربنا قادر على ما يريد ، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .
ولما دل هذا الدعاء على إقبالهم على الله وحده صرحوا وأكدوا لأن حالهم الأول كان حال من ينكر منه مثل ذلك فقالوا معللين : ( إنا ( ولما كان المقام للتوبة والرجوع عن الحوبة ، عبروا بأداة الانتهاء إشارة إلى بعدهم عن الحضرات الربانية تأدباً منهم فقالوا : ( إلى ربنا ) أي المحسن إلينا والمربي لنا بالإيجاد ثم الإبقاء خاصة لا إلى غيره سبحانه ) راغبون ) أي ثابتة رغبتنا ورجاؤنا الخير والإكرام بعد العفو ، وقد قيل إن الله تعالى جلت قدرته قبل رجوعهم وأخلف عليهم فأبدلهم جنة يقال لها الحيوان بحيث كان القطف الواحد منها يحمله وحده من كبره البغل - رواه البغوي عن ابن مسعود ، ولكن لما كان المقام لترهيب من ركن إلى ماله واحتقر الضعفاء من عباد الله ولم يجلهم بجلاله طواه ، وذكر ما صور هذا الكلام وأنتجه من مساواة حال قريش وحال هؤلاء في الإحسان وطول الحلم مع احتقار أوليائه والتقوى عليهم بأفضاله ونعمائه ، فقال مرهباً : ( كذلك ) أي مثل هذا الذي بلونا به أصحاب الجنة من إهلاك ما كانوا عند أنفسهم في غاية ا لقدرة عليه والثقة به مع الاستحسان منهم لفعلهم والاستصواب وهددنا به أهل مكة فلم يبادروا إلى المتاب : ( العذاب ( الذي تحذرهم منه وتخوفهم به في الدنيا ، فإذا تم الأجل الذي قردنهاه له أخذناهم به غير مستعجلين ولا مفرطين لأنه لا يعجل إلا ناقص يخاف الفوت .
ولما كانوا منكرين لأمور الآخرة أشد من إنكارهم لأمور الدنيا أكد قوله : ( ولعذاب الآخرة ) أي الذي يكون فيها للعصاة والجبارين ) أكبر ) أي في كل ما يتوهمونه .
ولما كان هذا موجباً لمن له أدنى شعور للهروب منه قال : ( لو كانوا ) أي الكفار ) يعلمون ) أي لو كان لهم علم بشيء من غرائزهم في وقت من الأوقات لرجعوا عما هم فيه مما عرفوا أنه يغضب الله فيكون سبب العذاب في الدارين ، وهم مع ذلك مما يرزئ بهم عند الله وعند الناس من تلك الآثار الخبيثة التي منها الأيمان الكاذبة ، ويدل