كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 109
على عدم شجاعتهم وقلة عقولهم ، لكنهم ليس لهم نوع علم الآن ، والمختوم بموته على الكفر لا يتجدد له نوع علم ، وغيره سيرجع في الوقت الذي قدره الله له .
ولما ذكر ما لأهل الجمود الذين لا يجوزون الممكنات ، ذكر أضدادهم فقال مؤكداً لأجل إنكارهم : ( إن للمتقين ) أي العريقين في صفة التقوى خاصة دون غيرهم ممن لا يتقي ، والتقوى : الاحتراز بالوقاء الحامل عليه الخوف من المؤذي ، الحامل عليه تجويز الممكنات ، قال الملوي : وأصلها أن الفرس الواقي - وهو الموجوع الحافي - لا يضع حافره حتى يرى هل الموضع لين يناسب ، وكذا المتقي لا يتحرك ولا يسكن إلا على بصيرة من رضا الله بذلك ، فلا يفعل أحد منهم شيئاً من تلك الآثار الخبيثة التي تقدمت للمكذبين ، فحازوا الكمال بصلاح القوة العملية الناشىء عن صلاح القوة العلمية ، وزاد في الترغيب إشارة إلى جنة القلب وبسط الروح بقوله : ( عند ربهم ) أي المحسن إليهم في موضع ندم أولئك وخيبة آمالهم ، فإن تقريبهم دل على رضاه سبحانه ، ورضا صاحب الدار مطلوب قبل نظر الدار ، ولما أشار إلى جنة القلب أتبعها جنة القالب فقال تعالى : ( جنات ( جمع جنة وهي لغة البستان الجامع ، وفي عرف الشرع مكان اجتمع فيه جميع السرور وانتفى منه جميع الشرور ) النعيم ( وهو الخالص من المكدر والمشوش والمنغص ، لا شيء فيها غيره أصلاً - بما أفادته الإضافة .
ولما كان عدم إيراث كل من الفريقين الدار التي تقدم وصفها تسوية بين المحسن والمسيء ، وكان ذلك لا يليق بحكيم أن يفعله ، وجب إنكاره لتحقق أن ما أخبر به سبحانه لا يكون إلا يليق بحكيم أن يفعله ، وجب إنكاره لتحقق أن ما أخبر به سبحانه لا يكون إلا كذلك لا سيما وقد كان الكفار يقولون : إنهم كالمسلمين أو أحسن حالاً منهم ، وذلك أنه إن كان لا بعث ، كما كانوا يظنون ، فقد استووا فيما بعده مع ما فضلوهم به في الدنيا من اتباع الأهواء والظفر باللذائذ ، وإن كان ثم بعث فقد كانوا يقولون لشبهة دعتهم إليها شهوتهم : أما نكون على تقديره أحسن حالاً منكم وآثر عند الله في حسن العيش كما نحن في هذه الدار لأنه ما بسط لنا في هذه الدار إلا ونحن عنده أفضل منكم ، فقال تعالى منكراً ومكذباً لذلك غاية إنكار والتكذيب عائباً التحكم بالجهل غاية العيب نافياً للمساواة ليكون انتقاماً هو أعلى من باب الأولى مسبباً عما تقديره : ولا يكون لغير المتقين ذلك : ( أفنجعل المسلمين ) أي الذي هم عريقون في الانقياد لأوامرنا والصلة لما أمرنا بوصله طلباً لمرضاتنا فلا اختيار لهم معنا في نفس ولا غيرها لحسن جبلاتهم ) كالمجرمين ) أي الراسخين في قطع ما أمرنا به ان يوصل وأنتم لا تقرون مثل ذلك ، بل من عاندكم نوع معاندة قاطعتموه ولو وصل الأمر إلى القتل .

الصفحة 109