كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 11
رسله فضرهم إعراضه عنهم ولم يضره إعراضهم وما ضروا إلا أنفسهم وأطلق الاستغناء ليعم كل شيء .
ولما كان التعبير بذلك قد يوهم حدوث ما لم يكن له ، نفى ذلك بقوله مظهراً زيادة في العظمة : ( والله ) أي المستجمع لصفات الكمال من غير تقيد بحيثية ) غني ( عن الخلق جميعاً ) حميد ( له صفة الغنى المطلق والحمد الأبلغ الذي هو الإحاطة بجميع أوصاف الكمال على الدوام أزلاً وأبداً ، لم يتجدد له شيء لم يكن .
ولما قرر وجوب الإيمان به وبرسله وكتبه وبالقدر خيره وشره ، وقسم الناس إلى مؤمن وكافر ، وأخبر أن الكافر تكبر عن الرسل ، عين الموجب الأعظم لكفرهم بقوله دالاً على وجوب الإيمان بالعبث وترك القياس والرأي فإن عقل الإنسان لا يستقل ببعض أمور الإلهية ، معبراً بما أكثر إطلاقه على ما يشك فيه ويطلق على الباطل إشارة إلى أنهم شاكون وإن كانوا جازمين ، لكونهم لا دليل لهم ، وإلى أنهم في نفس الأمر مبطلون : ( زعم ( قال ابن عمر رضي الله عنهما : هي كنية الكذب ، وفي حديث أبي مسعود رضي الله عنه عند أبي داود : ( بئس مطية الرجل زعموا ) ) الذين كفروا ) أي أوقعوا الستر لما دلت عليه العقول من وحدانية الله تعالى ولو على أدنى الوجوه .
ولما كان الزعم ادعاء العلم وكان من يتعدى إلى مفعولين ، أقام سبحانه مقامهما قوله : ( أن لن يبعثوا ) أي من باعث ما بوجه من الوجوه .
ولما كان قد أشار سبحانه بنوعي المؤمن والكافر إلى الدليل القطعي الضروري على وجود المبطل اللازم منه ودعه اللازم منه وجب البعث ، اكتفى في الأمر بإجابتهم بقوله : ( قل ) أي لهم : ( بلا ) أي لتبعثن ، ثم أكده بصريح القسم فقال : ( وربى ) أي المحسن إليّ بالانتقام ممن كذب بي ، وبإحقاق كل حق أميت ، وإبطال كل باطل أقيم ) لتبعثن ( مشيراً ببنائه للمفعول إلى أنه ويكون على وجه القهر لهم بأهو شيء وأيسر أمر وكذلك قوله : ( ثم لتنبؤن ) أي لتخبرن حتماً إخباراً عظيماً ممن يقيمه الله لإخباركم ) وذلك ) أي الأمر العظيم عندكم من البعث والحساب ) على الله ) أي المحيط بصفات الكمال وحده ) يسير ( لقبول المادة وحصول القدرة ، وكون قدرته سبحانه كذلك شأنها ، نسبة الأشياء الممكنة كلها جليلها وحقيها إليها على حد سواء .

الصفحة 11