كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 127
ولما أريد قوة الدك والإبلاغ في تأثيره ، جعل الجبال شيئاً واحداً فقال : ( فدكتا ) أي مسحت الجملتان الأرض وأوتادها وبسطتا ودق بعضها ببعض ) دكة واحدة ) أي فصارتا كثيباً مهيلاً وسويتا بأيسر أمر فلم يميز شيء منهما من الآخر ، بل صار صارا في غاية الاستواء ، من قولهم : ناقة دكاء ، أي لا سنام لها .
وأرض دكاء ، أي متسعة مستوية ، قالوا : والدك والدق - أخوان ، والدك أبلغ ، قال أبو حيان : والدك فيه تفرق الأجزاء ، والدق فيه اختلاط الأجزاء .
ولما ذكر نفخس الصور عنه قوله : ( فيومئذ ) أي إذا دكتا وهي بدل من ( إذ ) كرر لطول الفصل وأفاد تهويلاً لها وتعظيماً ، ونصب الظرف بقوله : ( وقعت الواقعة ) أي التي وقع الوعد والوعيد بها ، فكانت كأنها شيء ثقيل جداً ليس له ممسك .
فما له من ذاته غير السقوط ، وهي القيامة والحاقة والقارعة ، نوع أسماءها تهويلاً لها أي قامت القيامة ، وكان المراد بها النفخة الثانية .
ولما ذكر تأثير العالم السفلي ذكر العلوي فقال : ( وانشقت السماء ) أي هذا الجنس لشدة ذلك اليوم ، ولما كان الشيء لا ينشق إلا لخلل فيه ، سبب عنه قوله تحقيقاً لذلك .
) فهي يومئذ ) أي إذا وقعت الواقعة ) واهية ) أي ضعيفة متساقطة خفيفة لا تتماسك .
ولما كانت العادة جارية فيما يعرف أن الملك يظهر أنواعاً من عظمته يوم عرض الجند ، قال معرفاً لنا بنحو ما ألفناه : ( والملك ) أي هذا النوع الذي يصدق على الواحد فما فوقه ، والجمع لا يصدق على ما دون الجمع فهذا أشمل ) على أرجائها ) أي نواحي السماء وأطرافها وحواشي ما لم يتشقق منها ، قال الضحاك : يكونون بها حتى يأمرهم الله فينزلون فيحطون بالأرض ومن عليها - انتهى .
وقيل : أرجاء الأرض واحدها رجا ، مقصور ، والاثنان رجوان ، فيحيطون بالجن رجوان ، فيحيطون بالجن والإنس فيحشرونهم حشر الصيد لإرادة أخذه .
ولما كان الملك يظهر يوم العرض سرير ملكه ومحل عزه قال : ( ويحمل عرش ( ولما كان هذا أمراً هائلاً مقطعاً للقلوب ، قال مؤنساً للمنزل عليه هذا الذكر مؤمناً له من كل ما يحذر : ( ربك ) أي المحسن إليك بكل ما يريده لا سيما في ذلك اليوم بما يظهر من رفعتك .
ولما كان العرش عاماً لجهة الفوق كلها ، أسقط الجار فقال : ( فوقهم ) أي فوق رؤوسهم ) يومئذ ) أي يوم إذ وقعت الواقعة بعدد ما كان تحته من السماوات السبع

الصفحة 127