كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 13
الرجال ، بل تهد شم الجبال : ( يوم ) أي تبعثون في يوم ) يجمعكم ) أي أيها الثقلان .
ولما كان الوقت المؤرخ به فعل من الأفعال إنما يذكر لأجل ما وقع فيه ، صار كأنه علة لذلك الفعل فقال تعالى : ( ليوم الجمع ( لأجل ما يقع في ذلك اليوم الذي يجمع فيه أهل السماوات وأهل الأرض من الحساب والجزاء الذي يكون فوزاً لناس فيكونون غابنين ، ويكون خيبة لناس فيكونون مغبونين ، وكل منهم يطلب أن يكون غابناً .
ولما كان هذا المقصد أمراً عظيماً مقطعاً ذكره الأكباد ، قال مشيراً إلى هوله بأداة البعد مستأنفاً : ( ذلك ) أي اليوم العظيم المكانة الجليل الأوصاف ) يوم التغابن ( الذي لا تغابن في الحقيقة غيره لعظمه ودوامه ، والغبن : ظهور النقصان للحظ الناشىء عن خفاء لأنه يجمع فيه الأولون والأخرون وسائر الخلق أجمعون ، ويكون فيه السمع والإبصار على غاية لا توصف بحث إن جميع ما يقع فيه يمكن أن يطلع عليه كل أحد من أهل ذلك الجمع ، فذا فضح أحد افتضح عند الكل ، وما عبد يدخل الجنة إلى أري مقعده نم النار لو أساء ليزداد شكراً ، وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة فيغبن كل كافر بتركه الإيمان وكل مؤمن بتقصيره في الإحسان ، ومادة ( غبن ) تدور على الخفاء من مغابن الجسد وهي ما يخفى عن العين ، وسمي الغبن في البيع - لخفائه عن صاحبه ، فالكافر والظالم يظن أنه غبن المؤمن بنعيم الدنيا الذي استأثر به الكافر ، وبالنقص الذي أدخله الظالم على المظلوم ، وقد غبنهما يشبه غبن ، فقد بعث ذكر هذا اليوم على هذا الوجه على التقوى اتم بعث ، وهي الحاملة على اتباع الأوامر واجتناب النواهي لئلا يحصل الغبن بفوات النعيم أو نقصانه ، ويحصل بعده للكافر العذاب الأليم .
ولما كان كل أحد يحسب أن يكون في النور ، ويكره أن يكون في الظلام ، ويحب أن يكون غابناً ، ويكره أن يكون مغبوناً ، أرشدت سوابق الكلام ولواحقه إلى أن التقدير ، فمن آمن كان في النور ، وكان في ذلك اليوم برجحان ميزانه من الغابنين ، ومن كفر كان في الظلام ، وكان في ذلك اليوم بنقصان ميزانه من المغبونين ، فعطف عليه قوله بياناً لآثار ذلك الغبن ، وتفضيلاً له بإصلاح الحامل على التقوى وهو أمور منها القوة العلمية : ( ومن يؤمن ) أي يوقع الإيمان ويجدده على سبيل الاستمرار ) بالله ) أي الملك الأعظم الذي لا كفؤ له .
ولما ذكر الرأس وهو إصلاح القوة العلمية ، أبته البدن وهو إصلاح بقولة العملية فقال : ( ويعمل ( تصديقاً لإيمانه ) صالحاً ) أي عملاً هو مما ينبغي الاهتمام بتحصيله لأنه لا مثل له في جلب المنافع ودفع المضار .