كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 135
أيّ شيء فرضت من طول أو عرض ) سبعون ذراعاً ( يحتمل أن يكون هذا العدد حقيقة ، وأن يكون مبالغة ، والذي يدل على أنها للمبالغة ما رواه الترمذي - وقال : إسناده حسن - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( لو أن رصاصة مثل هذه ) وأشار إلى مثل الجمجمة ( وأرسلت من السماء إلى الأرض - وهي مسيرة خمسمائة سنة - لبلغت الأرض قبل الليل ، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفاً الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها وقعرها ) وأشار سبحانه إلى ضيقها على ما تحيط به من بدنه بتعبيره بالسلك فقال : ( فاسلكوه ) أي أدخلوه بحث يكون كأنه السلك - أي الحبل - الذي يدخل في ثقب الخرزة بعسر لضيق ذلك الثقب إما بإحاطتها بعنقه أو بجميع بدنه بأن تلف عليه فيصير في غاية الضنك والهوان لا يقدر على حركة أصلاً ، وهذا تعذيب القالب لأنه أفسد القلب بعدم الإيمان والقالب بعدم الأعمال .
ولما ذكر على الإجمال عقابه أتبعه أسبابه ، فقال بادئاً بأعظمها مؤكداً لأن كل كافر حتى المعطل يقر الله تعالى نوع إقرار ويدعي الإيمان به نوع ادعاء ، لأنه لا يقدر على غير ذلك لما له سبحانه من غلبة الظهور وانتشار الضياء والنور : ( إنه كان ) أي جبلة وطبعاً وإن أظهر شيئاً يلبس به على الضعفاء ويدلس على الأغنياء ) لا يؤمن ) أي الآن ولا في مستقبل الزمان ) بالله ) أي الملك الأعلى الذي يعلم السر وأخفى .
ولما كانت عظمة الملك موجبة لزيادة النكال لمن يعانده على قدر علوها ، وكان الذي أورث هذا الشقي هذا الخزي هو تعظيمه على أمر الله وعباده ، أشار إلى أنه لا يستحق العظمة غيره سبحانه فقال : ( العظيم ) أي الكامل العظم .
الحاقة : ( 34 - 40 ) ولا يحض على. .. . .
) وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( ( )
ولما بين عناده للملك الأعظم بإفساده القوة العلمية بين ما يوجبه الكفر من احتقاره للضعفاء إفساداً للقوة العملية إعلاماً بأنه مكلف بفروع الشريعة كما أنه مكلف بأصولها ، وبياناً لأن عناده لمن فوقه لرداءة طبعه لا لعلو همته ، فقال معظماً لهذا الذنب لجعله في سياق الكفر وبالتعبير بالحض مشيراً به إلى أن فاعل ذلك شديد الاستغراق في

الصفحة 135