كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 14
ولما كان الدين مع سهولته متيناً لن يشاده أحد إلا غلبه ، قال حاملاً على التقوى بالوعد بدفع المضار ، ولعله أفرد الضمير إشارة إلى أن زمان التكفير والدخول متفاوت بحسب طول الحساب وقصره ، كلما فرغ واحد من الحساب دخل الجنة إن كان من أهلها : ( يكفر ) أي الله - على قراءة الجماعة بأن يستر ستراً عظيماً ) عنه سيئاته ( التي غلبه عليها نقصان الطبع ، وأتبع ذلك الحامل الآخر وهو الترجئة يجلب المسار لأن الإنسان يطير إلى ربه سبحانه بجناحي الخوف والرجاء والرهبة والرغبة والنذارة والبشارة فقال : ( ويدخله ) أي رحمة له وإكراماً وفضلاً ) جنّات ) أي بساتين ذات أشجار عظيمة وأغصان ظليلة تستر داخلها ، ورياض مديد منوعة الأزاهير عطرة النشر تبهج رائيها ، وأشار إلى دوام ريها بقوله : ( تجري ( ولما كان عموم الماء لجميع الأرض غير ممدوع ، بين أنه في خلالها على أحسن الأحوال فقال : ( من تحتها ( وبين عظمه بقوله : ( الأنهار ( ولما كان النزوح أو توقعه عن مثل هذا محزناً ، أزال توقع ذلك بقوله جامعاً لئلا يظن الخلود لواحد بعينه تصريحاً بأن من معناها الجمع وأن كل من تناولته مستوون في الخلود : ( خالدين فيها ( وأكد بقوله : ( أبداً ( والتقدير على قراءة نافع وابن عامر بالنون : نفعل التكفير والإدخال إلى هذا النعيم بما لنا من العظمة فإنه لا يقدر على إسعاد من شاء وإشقاء من شاء إلا الله سبحانه ، ولا تكون هذه القدرة تامة إلا لمن كان عظيماً لا راد لأمره أصلاً .
ولما كان هذا أمراً باهراً جالباً بنعيمه سرور القلب ، أشار إلى عظمته بما يجلب سرور القلب بقوله : ( ذلك ) أي الأمر العالي جداً من الغفران والإكرام ، لا غيره ) الفوز العظيم ( لأنه جامع لجميع المصالح مع دفع المضار وجلب المسار .
ولما ذكر الفائزون بلزومه التقوى ترغيباً ، أتبعه الخائب بسبب إفساد القوتين الحاملتين على التقوى : العلمية والعملية ترهيباً ، فقال بادئاً بالعلمية : ( والذين كفروا ) أي غطوا أدلة ذلك اليوم فكانوا في الظالم .
ولما ذكر إفسادهم القوة العلمية ، أتبعه العملية فقال : ( وكذبوا ) أي أوقعوا جميع التغطية وجميع التكذيب ) بآياتنا ( بسببها مع ما لها من العظمة بإضافتها إلينا ، فلم يعملوا شيئاً .
ولما بين إفسادهم للقوتين ، توعدهم بالمضار فقال معرياً من الفاء في جانبي الأشقياء والسعداء طرحاً للأسباب ، لأن نظر هذه السورة إلى الجبلات الت لا مدخل فيها لغيره أكثر بقوله :
77 ( ) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ( ) 7
[ التغابن : 2 ] فإن ذلك أحدر بالخوف منه ليكون أجدر بالبعد عما يدل على الجبلة الفاسدة من الأعمال السيئة : ( أولئك ) أي البعداء البغضاء ) أصحاب النار ( ولما كان السجن إذا رجي

الصفحة 14