كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 145
ولما كان سؤالهم من وقت مجيء الساعة والعذاب الساعة والعذاب وطلبهم تجيل ذلك إنما هو استهزاء ، ضمن ( سأل ) استهزاء ثم حذفه ودل عليه بحال انتزعها منه وحذفها ودل عليه بما تعدى به فقال ، أو انه حذف مفعول السؤال المتعدي ( بعن ) ليعم كل مسؤول عنه إشارة إلى أن من تأمل الفطرة الأولى وما تدعو إليه من الكمال فأطاعها فكان مسلماً فاضت عليه العلوم ، وبرقت له متجلية أشعة الفهوم ، فبين المراد من دلالة النص بقوله : ( بعذاب ) أي عن يوم القيامة بسبب عذاب أو مستهزئاً بعذاب عظيم جداً ) واقع ( وعبر باللام تهكماً منهم مثل ) فبشرهم بعذاب ( فقال : ( للكافرين ) أي الراسخين في هذا الوصف بمعنى : إن كان لهم في الآخرة شيء فهو العذاب ، وقراءة نافع وابن عامر بتخفيف الهمزة أكثر تعجيباً أن اندفاع فمه بالكلام وتحركت به شفتاه لأنه مع كونه يقال : سال يسأل مثل خاف يخاف لغة في المهموز يحتمل أن يكون من سأل يسأل ، قال البغوي : وذلك أن أهل مكة لما خوفهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالعذاب قالوا : من أهل هذا العذاب ولمن هو ؟ سلوا عنه ، فأنزلت .
ولما أخبر بتحتم وقوعه علله بقوله : ( ليس له ) أي بوجه من الوجوه ولا حيلة من الحيل ) من الله ) أي الملك الأعلى الذي لا كفؤ له فلا أمر لأحد معه ، وإذا لم يكن له دافع منه لم يكن دافع من غيره وقد تقدم الوعد به ، ودلت الحكمة عليه فتحتم وقوعه وامتنع رجوعه .
ولما كان القادر يوصف بالعلو ، والعاجز يوسف بالسفول والدنو ، وكان ما يصعد فيه إلى العالي يسمى درجاً ، وما يهبط فيه إلى السافل يسمى دركاً ، وكانت الأماكن كلها بالنسبة إليه سبحانه على حد سواء ، اختير التعبير بما يدل على العلو الذي يكنى به عن القدرة والعظمة ، فقال واصفاً بما يصلح كونه مشيراً إلى العديل : ( ذي المعارج ) أي الدرج التي لا انتهاء لها أصلاً - بما دلت عليه صيغة منتهى الجموع وهي كناية عن العلو ، وسيمت بذلك لأن الصاعد في الدرج يشبه مشية الأعرج ، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها السماوات ، ودل على ما دلت عليه الكثرة مع الدلالة على عجيب القدرة في تخفيفها على الملائكة بقوله : ( تعرج الملائكة ) أي وهم أشد الخلق وأقدره على اختراق الطباق ، والإسراع في النفوذ حتى يكونوا أعظم من لمح البرق الخفاق ) والروح ) أي جبريل عليه السلام ، خصه تعظيماً له ، أو هو خلق هو أعظم من الملائكة ، وقيل : روح العبد المؤمن إذا قبض ) إليه ) أي محل مناجاته ومنتهى ما يمكن من العلو لمخلوقاته ، وعلق بالعروج أو بواقع قوله : ( في يوم ) أي من أيامكم ،