كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 146
فيه آدمياً ) خمسين ألف ( وبين المشقة في صعوده أو الكون فيه إن القيامة بأن قال : ( سنة ( ولم يقل : عاماً - مثلاً ، ويجوز أن يكون هذا اليوم ظرفاً للعذاب فيكون المراد به يوم القيامة ، وأن يكون طوله على الكفر باعتبار ما يلحقه من الغم لشدة المخاوف عليه لأنه ورد أنه يخفف على المؤمن حتى يكون بمقدار صالة واحدة - انتهى .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المعنى أنه لو ولي الحساب غير الله لم يفرغ منه إلا في هذا المقدار ، ويفرغ منه هو سبحانه في نصف يوم من أيام الدنيا ، وقال مجاهد والحكم وعكرمة : هو عمر الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحدكم مضى وكم بقي إلا الله ، وقد مضى في سورة ) ألم السجدة ( ما ينفع ههنا .
ولما كان هذا كله تسلية للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن استعجالهم إياه بالعذاب استهزاء وتكذيباً سواء أريد تصوير العظمة أو العذاب ، سبب عنه قوله : ( فاصبر ) أي على أذاهم ولا ينفك ذلك عن تبليغهم فإنك شارفت وقت ا لانتقام منهم أيها الفاتح الخاتم الذي لم أبين لأحد ما بينت على لسانه ، والصبر : حبس النفس على المكروه من الإقدام أو الإحجام ، وجماله بسكون الظاهر بالتثبت والباطن بالعرفان ) صبراً جميلاً ) أي لا يشوبه شيء من اضطراب ولا استثقال ، ولا شكوى ولا استعجال ، فإن عذابهم ونصرك عليهم لعظمة من أرسلك ، فلا بد من وقوعه لأن القدح فيه والتكذيب به قدح فيها ، وهذا قبل الأمر بالقتال .
المعارج : ( 6 - 13 ) إنهم يرونه بعيدا
) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً يَوْمَ تَكُونُ السَّمَآءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ( ( )
وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما انطوت سورة الحاقة على أشد وعيد وأعظمه أتبعت بجواب من استبطأ ذلك واستبعده إذ هو مما يلجأ إليه المعاند الممتحن ، فقال تعالى : ( ) سأل سائل بعذاب واقع ( ) [ المعارج : 1 ] إلى قوله ) ) إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً ( ) [ المعارج : 6 و 7 ] ثم ذكر حالهم إذ ذاك ) ) يوم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه ( ) [ المعارج : 11 ] الآية ، ثم أتبع بأن ذلك لا يغني عنه ولا يفيده ) ) إنها لظى ( ) [ المعارج : 15 ] ثم ختمت السورة بتأكيد الوعيد وأشد التهديد ) ) فذرهم يخوضوا