كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 148
التبصير ، قال البغوي : وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس - انتهى ، وكان حكمة ذلك أنه أدل على تقطع الأسباب فلا يسأل أحد منهم الآخر عن شيء من أمره لاشتغال كل بنفسه ، فعدم السؤال فعدم السؤال لا للخفاء بل للاشتغال وهم كل إنسان بما عنده : ( يبصرونهم ) أي يبصرهم مبصر فلا يخفى أحد على أحد وإن بعد مكانه ويفر كل من الآخر لشغله بنفسه ، ولما تناهى الإخبار بعظمة ذلك اليوم إلى حد لا تحتمله القلوب ، ذكر نتيجة ذلك فقال مستأنفاً : ( يود ) أي يتمنى ويشتهي ) المجرم ) أي هذا النوع سواء كان كافراً أو مسلماً عاصياً علم أنه يعذب بعصيانه ، وقيد به لأن المسلم الطائع يشفع فيمن أذن له فيه ولا يهمه شيء من ذلك ، ودل على أن هذه الودادة مجرد تمن بقوله : ( لو يفتدي ) أي نفسه ) من عذاب يومئذ ) أي يوم إذ كانت هذه المخاوف بأعلق الناس بقلبه وأقربهم منه فضلاً عن أن يسأل عن أحواله .
ولما كان السياق للافتداء ، بدأ بأعزهم في ذلك بخلاف ما يأتي في عبس فقال : ( ببنيه ( لشدة ما يرى .
ولما ذكر ألصق الناس بالفؤاد وأعز من يلزمه لنصره والذب عنه ، أتبعه ما يليه في الرتبة والمودة وما الافتداء به لا سيما عند العرب من أقبح العار فقال : ( وصاحبته ) أي زوجته التي يلزمه الذب عنها والكون دائماً معها لكونها عديلة روحه في الدنيا .
ولما ذكر الصحابة لما لها من تمام الوصلة ، أتبعها الشقيق الذي لا يلزم من الذب عنه ما يلزم من لاذب عن الحيم وربما كان مبايناً ، فقال : ( وأخيه ( .
ولما كان من بقي من الأقارب بعد ذلك متقاربين في الرتبة ذكر أقربهم فقال : ( وفصيلته ) أي عشيرته الذين هم أقرب من فصل عنه ) التي تؤويه ) أي تضمه إليها عند الشدائد وتحميه ، لأنه أقرب الناس إليها وأعزهم عليها فهم أعظم الناس حقاً عليه وأعزهم لديه .
المعارج : ( 14 - 21 ) ومن في الأرض. .. . .
) وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ( ( )
ولما كانت هذه الآية في الفدية ، قدم الأبعد عن ذلك فالأبعد من جهة النفع والمعرة .
ولما كانت آية عبس في الفرار والنفرة ، قدم الألصق فالألصق ، والأعلق في الأنس فالأعلق .
ولما خص هنا عم فقال : ( ومن في الأرض ) أي من الثقلين وغيرهم سواء كان فيهم صديق لا صبر عنه ولا بد في كل حال منه أو لا .
ولما كان ربما خص ذلك

الصفحة 148