كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 149
بغيره ، قال محققاً لإرادة الحقيقة في معنى ( من ) : ( جميعاً ( .
ولما كان الإنسان تكشف له الأمور هناك أي كشف ، وتظهر له أم ظهور ، قال تعالى ) فبصرك اليوم حديد ( فيعلم أنه لا ينجيه من الخطايا المحيطة المحبطة شيء ، دل على الاستبعاد بأداة البعد فقال عاطفاً على ( يفتدي ) : ( ثم ينجيه ) أي ثم يود لو يكون له بذلك نجاة تتجدد له في وقت من الأوقات .
ولما كان هذا مما قد يطمع في النجاة ، فإن بعض الناس يطبع على قلبه فيستغويه الأطماع حتى يعد المحال ممكناً ، قال معبراً بمجمع الروادع والزواجر الصوادع : ( كلا ) أي ليكن للمجرم ردع أيّ ردع عن وداده هذا وترتب أثره عليه ، فإن ذلك لا يكون أبداً بوجه من الوجوه .
ولما كان الإضمار قبل الذكر لتعظيم ذلك المضمر في المهيع الذي هو فيه ، لأن ذلك إشارة إلى أنه مستحضر في الذهي لا يغيب أصلاً لما للمقام عليه من عظيم الدلالة ، قال بعد هذا الردع العظيم عن النجاة بل عن ودادة تمنيا : ( إنها ) أي النار التي هي سوط الملك المعد لمن عصاه ، المهدد في هذا السياق بعذابها ، المستولية عليه لتكونه سجنه : ( لظى ) أي ذات اللهب الخالص المتناهي في الحر يتلظى أي يتوقد فيأكل بسببه بعضها بعضاً إن لم تجد ما تأكله وتأكل ما وجدته كائناً ما كان ) نزاعة للشوى ) أي هي شديدة النزع لجلود الرؤوس بلغيته فما الظن بغيره من الجلد ، وقال في القاموس : الشوى : اليدان والرجلان والأطراف وقحف الرأس وما كان غيره مقتل - انتهى ، وقيل : والجلد كله واللحم تنزع ذلك ثم يعود كماكان في الحال يروا التعب الذي كانوا ينكرونه في أنفسهم في كل لحظة .
ولما كان الخلاص غير ممكن من الداعي القادر على الإحضار كنى عن إحضارها إياهم وجذبها لهم بقوله : ( تدعوا ( ويجوز أن يكون ذلك حقيقة فتقول في الدعاء في نفسها : إليّ يا مشرك إليّ يا منافق ، ونحو ذلك ثم تلتقطهم التقاط الطير للحب ) من ) أي كل شخص ) أدبر ) أي من الجن والإنس أي من وقع منه إدبارهما من حقه الإقبال عليه سواء كان ذلك الإدبار عنها أو عن الأعمال التي من شأنها التنجية منها ، ولما كان الإدبار قد يكون عن طبع غالب فيكون صاحبه في عداد من يعذر ، بين أن الأمر ليس كذلك فقال : ( وتولى ) أي كلف فطرته الأولى المستقيمة الإعراض عن أساب النجاة .
ولما كانت الدنيا والآخرة ضرتين ، فكان الإقبال على إحداهما دالاً على