كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 152
بالعطف بالواو : ( والذين في أموالهم ) أي التي منَّ سبحانه بها عليهم ) حق ( ولما كان السياق هنا لأعم من المحسنين الذين تقدموا في الذاريات اقتصر على الفرض فقال : ( معلوم ) أي من الزكوات وجميع النفقات الواجبة .
ولما كان في السؤال من بذل الوجه وكسر النفس ما يوجب الرقة مع وقاية النفس مع المذمة ، قدم قوله : ( للسائل ) أي المتكلف لسؤال الإنفاق المتكفف .
ولما كان في الناس من شرفت همته وعلت رتبته على مهاوي الابتذال بذل السؤال من الإقلال بذب المقبل على الله للتفطن والتوسم لأولئك فقال : ( والمحروم ) أي المتعفف الذي لا يسأل فيظن غنياً ولا مال له يغنيه فهو يتلظى بناره في ليله ونهاره ، ولا مفزع له بعد ربه المالك لعلانيته وإسراره إلا إلى إفاضة مدامعه بذله وانكساره ، وهذا من الله تعالى حث على تفقد أرباب الضرورات ممن لا كسب له ومن افتقر بعد الغنى ، وقد كان للسلف الصالح في هذا وأشباهه قصب السبق ، حكي عن زين العابدين أنه أنه لما مات وجد في ظهره آثار سود عن غسله كأنها السيور ، فعجبوا منها ، فلما كان بعد أيام قال نسوة أرامل : كان شخص يأتي إلينا ليلاً بقرب الماء وأجربة الدقيق على ظهره ففقدناه واحتجنا ، فعلموا أنه هو وأن تلك السيور من ذلك ، وحي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن شخصاً رآه ماشياً في زمن خلافته في الليل فتبعه حتى يعلم إلى أين يقصد ، فلم يزل رضي الله عنه حتى جاء إلى بيت نسوة أرامل فقال : أعندكن ماء وإلا أملأ لكن ، فأعطينه جرة فأخذها وذهب فملأها على كتفه وأتى بها إليهن ، والحكايات عنهم في هذا الباب كثيرة شهيرة جداً .
ولما كان المال قد يصرف لإصلاح الدنيا ، بين أن النافع منه إنما هو المصدق للإيمان فقال : ( والذين يصدقون ) أي يوقعون التصديق لمن يخبرهم ويجددونه كل وقت ) بيوم ( ولما كان المقصود الحث على العلم لأجل العرض على الملك الأعلى عبر بقوله : ( الدين ) أي الجزاء الذي ما مثله وهو يوم القيامة الذي يقع الحساب فيه والدينونة على النقير والقطمير والتصديق به حق التصديق الاستعداد له بالأعمال الصالحة ، فالذين يعملون لذلك اليوم هم العمال ، وأما المصدقون بمجرد الأقوال فلهم الوبال وإن أنفقوا أمثال الجبال .
ولما كان الدين معناه الجزاء من الثواب والعقاب ، وكان ربما صرفه صارف إلى الثواب فقط للعلم بعموم رحمته سبحانه ، وأن رحمته غلبت غضبه ، صرح بالعقاب فقال : ( والذين هم ) أي بجميع ضمائرهم ) من عذاب ربهم ) أي المحسن إليهم ، لا