كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 153
من عذاب غيره ، فإن المحسن أولى بأن يخشى ولو من قطع إحسانه ، وإذا خيف مع تجليه في مقام الإحسان كان الخوف أولى عند اعتلائه في نعوت الجلال من الكبر والقهر والانتقام ) مشفقون ) أي خائفون في هذه الدار خوفاً عظيماً هو في غاية الثبات من أن يعذبهم في الآخرة أو الدنيا أو فيهما ، فهم لذلك لا يغفلون ولا يفعلون إلا ما يرضيه سبحانه .
ولما كان المقام للترهيب ، ولذلك عبر عن الرجاء على فعل الطاعات بالدين ، فصار العذاب مذكوراً مرتين تلويحاً وتصريحاً ، زاده تأكيداً بقوله اعتراضاً مؤكداً لما لهم من إنكاره : ( إن عذاب ربهم ) أي الذي رباهم وهم مغمورون بإحسانه وهم عارفون بأنه قادر على الانتقام ولو بقطع الإحسان ) غير مأمون ) أي لا ينبغي لأحد أن يأمنه ، بل يجوز أن يحل به وإن بالغ في الطاعة لأن الملك مالك وهو تام الملك ، له أن يفعل ما يشاء - ومن جوز وقوع العذاب أبعد عن موجباته غاية الإبعاد ولم يزل مترجحاً بين الخوف والرجاء .
ولما ذكر التحلي بتطهير النفس بالصلاة وتزكية المال بالصدقة ، ندب إلى التخلي عن امر جامع بين تدنيس المال والنفس وهو الزنا الحامل عليه شهة الفرج التي هي أعظم الشهوات حملاً للنفس على المهلكات ، فقال بعد ذكر التخويف بالعذاب إعلاماً بأنه أسرع إلى صاحب هذه القادورة وقوعاً من الذباب في أحلى الشراب فقال : ( والذين هم ) أي ببواطنهم الغالبة على ظواهرهم ) لفروجهم ) أي سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً ) حافظون ) أي حفاظاً ثابتاً دائماً عن كل ما نهى الله عنه .
المعارج : ( 30 - 32 ) إلا على أزواجهم. .. . .
) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَأِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( ( )
ولما ذكر هذا الحفظ على هذا الوجه ، ذكر ما أذن فيه في أسلوب الاستثناء إشعاراً بأنه كأنه لم يذكر فيخرج إلا بعد تقرير عموم الحفظ لا أنه مقصود ابتداء بقصد الصفة فقال : ( إلا على أزواجهم ) أي بعقد النكاح .
ولما قدمهن لشرفهن وشرف الولد بهن أتبعه قوله : ( أو ما ( عبر بما هو الإغلب لغير العقلاء ندباً غلى إيساع البطان في احتمالهن ) ملكت أيمانهم ) أي من السراري اللاتي هن محل الحرث والنسل اللاتي هن أقل عقلاً من الرجال .
ولما كان الناكح عبادة نادراً جداً ، وكان الأصل في العبادة الخروج عن العادة ،