كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 155
داء ، فقال مشيراً إلى حفظ أحوال الصلاة وأوصافها بعد ذكر الحفظ لذواتها وأعيانها تنبيهاً على شدة الاهتمام بها : ( والذين هم ( ولما وسط الضمير إشارة إلى الإقبال بجميع القلب قدم الصلة كا فعل بما قيل تأكيداً وإبلاغاً في المراد إلى أقصى ما يمكن كما لا يخفى على ذي ضوق فقال : ( على صلاتهم ( من الفرض والنقل ) يحافظون ) أي يبالغون في حفظها ويجددونه حتى كأنهم يبادرونها الحفظ ويسابقونها فيه فيحفظونها لتحفظهم أو يسابقون غيرهم في حفظها لأوقاتها وشروطها وأركانها ومتمماتها في ظواهرها وبواطنها من الخضوع والمراقبة ، وغير ذلك من خلال الإحسان التي إذا فعلوها كانت ولا بد ناهية لفاعلها ( أن الصلاة ) الكاملة ( تنهى عن الفحشاء والمنكر ) فتحمل على جميع هذه الأوامر وتبعد عن أضدادها ، ولكون السياق هذا للتخلي عن الأوصاف الجارة إلى الكفر وحد الصلاة إشارة إلى أنه يكفي في ذلك الفرائض وإن كان الجاس يشمل ، وفي المؤمنون السياق لأهل الرسوخ في المحاسن ، فلذلك جمع بين النوعين : الإفراد في الأول لينصب بادئ بدئ إلى الفرائض ، والجمع في بعض القراءات ليفهم مع ذلك النوافل بأنواعها ، وفي فتح الأوصاف بالصلاة وختمها بها من بيان جلالتها وعظمتها أمر باهر .
ولما ذكر حلاهم أتبعه ما أعطاهم فقال مستأنفاً ومستنتجاً من غير فاء إشارة إلى أن رحمته هي التي أوصلتهم إلى ذلك من غير سبب منهم في الحقيقة : ( أولئك ) أي الذين هم في غاية العلو لمان لهم من هذه الأوصاف العالية ، وعبر بما يدل على أنه عجل جزاءهم سبحانه فقال : ( في جنات ) أي في الدنيا والآخرة ، أما في الآخرة فواضح ، وأما في الدنيا فلأنهم لما جاهدوا فيه بإتعاب أنفسهم في هذه الأوصاف حتى تخلقوا بها أعطاهم بمباشرتها لذاذات من أنس القرب وحلاوة المناجاة لا يساويها شيء أصلاً ، والجنة محل اجتمع فيه جميع الراحات والمستلذات والسرور ، وانتفى عنه جميع المكروهات والشرور ، وضدها النار ، وزادهم على ذلك بقوله : ( مكرمون ( معبراً باسم المفعول إشارة إلى عموم الإكرام من الخالق والخلق الناطق وغيره لأنه سبحانه قضى بأن يعلو مقدارهم حتى يكونوا أعظم مشخص ؟ لهم في الغيب مبالغاً في إكرامهم عند المواجهة ليكون لهم نصيب من خلق نبيهم ( صلى الله عليه وسلم ) ، ( لقيه يوم بني قريظة علي رضي الله عنه وكان قد سبقه إليهم فقال : يا رسول الله ، ما عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخباث ؟ فقال : ولم ، لعلك سمعت بي منهم أذى ، لو قد دنوت منهم لم يقولوا من ذلك شيئاً ، ثم دنا منهم فقال : هل أخزاكم الله يا إخوان القدرة والخنازير ، فقالوا : مه يا أبا القاسم ما

الصفحة 155