كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 159
العظمة في كل من الاسم والخبر ، فكان في إخباره بعد الإقسام مع التأكيد إشارة إلى أعلى مراتب التأكيد ) على أن نبدل ) أي تبديلاً عظيماً بما لنا من الجلالة عوضاً عنهم ) خيراً منهم ) أي بالخلق أو تحويل الوصف فيكونوا أشد بسطة في الدنيا وأكثر أموالاً وأولاداً وأعلى قدراً وأكثر حشماً ووجاهة وحزماً وخدماً ، فيكونوا عندك خلقاً على قلب واحد في سماع قولك وتوقيرك وتعظيمك والسعي في كل ما يشرح صدرك بدل ما يعمل هؤلاء من الهزء والتصفيق وكل ما يضيق به صدرك ، وقد فعل ذلك سبحانه بالمهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان بالسعة في الرزق بأخذ أموال الجبارين من كسرى وقيصر ، والتمكن في الأرض حتى كانوا ملوك الدنيا مع العمل بما يوجب لهم ملك الآخرة ، فرجوا الكرب عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبذلوا في مرضاته الأنفس والأموال .
ولما كان الإنسان قد يفعل شيئاً ثم ينقض عليه ، أخبر أنه سبانه على غير ذلك فقال : ( وما ( وأكد الأمر بالأسمية الكائنة في مظهر العظمة فقال : ( نحن ( وأعرق في النفي فقال : ( بمسبوقين ) أي من سابق ما يغلب على شيء لم نرده بوجه من الوجوه ، ولذلك أتى باسم المفعول .
ولما ثبت أن له سبحانه العظمة البالغة الباهرة من شمول العلم وتمام القدرة ، فأنتج اعتماد أهل حزبه عليه وإعراضهم عن كل ما سواه ، سبب عن ذلك قوله تهديداً للمخالفين وتسلية للمؤالفين : ( فذرهم ) أي اتركهم ولو على أسوأ أحوالهم ) يخوضوا ) أي يفعلوا في مقالهم وفعالهم الذي لا شيء منه على إتقان بل هو كفعل الخائض في الماء الذي لا يضع رجله في موضع يعلم أنه يرضيه ، فهو بصدد أن يقع أو يغرق ) ويلعبوا ) أي يفعل فعل اللاعب الذي لا فائدة لفعله إلا ضياع الزمان والتعطل عما يهم من عظيم الشأن .
ولما كان ما توعد الله من أحوال الآخرة لا بد من وقوعه كان كأنه قادم على الإنسان والإنسان ساع بجهده إليه ، فلذلك عبر بالمفاعلة فقال : ( حتى يلاقوا ( ولما كان ما يقع للكفار منه أعظم ، كان ذلك اليوم كأنه خاص بهم فقال : ( يومهم الذي ( ولما كان الوعيد - وهو ما كان من الخبر تخويفاً للمتوعد - صادعاً للقلوب إذا كان من القادر من غير حاجة إلى ذكر المتوعد ، بني المفعول قوله : ( يوعدون ( وهو يوم كشف الغطاء الذي أول تجليته عند الغرغرة ونهايته النفخة الثانية إلى دخول كل من الفريقين في داره ومحل استقراره ، والآية منسوخة بآية السيف .
ولما كان ما بعد النفخة الثانية أعظمه وأهوله ، أبدل منه قوله : ( يوم يخرجون (