كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 16
والكونيات لأن بالعافية في الكونيات تطيب الحياة في الدنيا ، وبالعافية في الدينيات تطيب الحياة في الآخرة فتكون العيشة راضية ، وذلك بأن يصير عمله صواباً في سرائره وضرائه فيترك كل فاحشة دينية بدنية وباطنة قلبية ويترك الهلع في المصائب الكونية كالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس واثمرات وذلك أنه بصلاح القلب ينصلح البدن كله .
ولما كان التقدير تعليلاً لذلك : فاللّه على كل شيء قدير فهو لا يدع شيئاً يكون إلا بإذنه ، عطف عليه قوله : ( والله ) أي الملك الذي لا نظير له ) بكل شيء ( مطلقاً من غير مثنوية ) عليم ( فإذا تحقق من هدى قلبه ذلك زاح كل اعتقاد باطل من كفر أو بدعة أو صفة خبيثة .
ولما كان التقدير : فاصبروا عن هجوم المصائب ، عطف عليه قوله تحذيراً من أن يشتغل بها فتوقع في الهلاك وتقطع عن أسباب النجاة دالاً على تعلم أمور الدين من معاداتها مشيراً إلى أن العبادة لا تقبل إلا بالاتباع لا بالابتداع : ( وأطيعوا الله ) أي الملك الأعلى الذي له الأمر كله فافعلوا في كل مصيبة ونائبة تنوبكم وقضية تعروكم ما شرعه لكم ، وأكد بإعادة العامل إشارة إلى أن الوقوف عند الحدود ولا سيما عند المصائب في غاية الصعوبة فقال : ( وأطيعوا الرسول ) أي الكامل في الرسلية - ( صلى الله عليه وسلم ) - فإنه المعصوم بما خلق فيه من الاعتدال وما زكى به من شق البطن وغسل القلب مراراً ، وما أيد به من الوحي ، فما كانت الأفعال بإشارة العقل مع الطاعة لله والمتابعة لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) في كل إقدام وإحجام كانت معتدلة ، سواء كانت شهوانية أو غضبية ، ومتى لم تكن كذلك كانت منحرفة إلى أعلى وإلى أسفل فكانت مذمومة ، فإن الله تعالى بلطف تدبيره ركب في الإنسان قوة غضبية دافعة لما يهلكه ويؤذيه ، وقة شهوانية جالبة لما ينميه ويقويه ، فاعتدال الغضبية شجاعة ونقصها جبن وزيادتها تهور ، فالناس باعتبارها جبان وشجاع ومتهور ، واعتدال الشهوانية عفة ونقصانها زهادة وزيادتها شره ، والناس باعتبارها زهيد وعفيف وشره ، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم ، وميزان العدال متابعة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فيما شرعه ، فبذلك تنزاح الفتن الظاهرة والباطنة ، ولا طريق إلى الله إلا بما شرعه ، وكل طريق لم يشرعه ضلال من الكفر إلى ما دونه ، ثم سبب عن أمره ذلك قوله معبراً بإداة الشك إشارة إلى البشارة بحفظ هذه الأمة من الردة ومشعراً بأن بعضهم يقع من ذلك ثم يقرب رجوعه أو هلاكه : ( فإن توليتم ) أي كلفتم أنفسكم عندما تدعو إليه المفهومة من طرفي القصد فما على رسولنا شيء من توليكم ) فإنما على رسولنا ( أضافه إليه على وجه العظمة تعظيماً له وتهديداً لمن يتولى عنه ) البلاغ المبين ) أي الظاهر

الصفحة 16