كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 163
يجيبوه إلى ما دعاهم إليه ويكرمونه لما بينهم من القرب بالنسب واللسان ، وكانوا جميع أهل الأرض من الآدميين .
ولما بان مضى المرسِل والرسول والمرسَل إليهم ، وكان الإرسال متضمناً معنى القول ، أخذ في تفسيره بياناً للمرسل به فقال : ( أن أنذر ) أي حذر تحذيراً بليغاً عظيماً ) قومك ( من الاستمرار على الكفر .
ولما كان المقصود ( إعلامهم بذلك ) في بعض الأوقات لأن الإنسان لا بد له من أوقات شغل بنفسه من نوم وأكل وغيره ، أتى بالجار تخفيفاً عليه ورفقاً به عليه السلام فقال : ( من قبل أن يأتيهم ) أي على ما هم من الأعمال الخبيثة ) عذاب أليم ( .
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما أمر الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بالصبر على قومه في قوله :
77 ( ) فاصبر صبراً جميلاً ( ) 7
[ المعارج : 5 ] وجليل الإغضاء في قوله :
77 ( ) فذرهم يخوضوا ويلعبوا ( ) 7
[ المعارج : 42 ] أتبع ذلك بقصة نوح عليه السلام وتكرر دعائه قومه إلى الإيمان ، وخص من خبره حاله في طول مدة التذكار والدعاء لأنه المقصود في الموضع تسلية لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ، وليتأسى به في الصبر والرفق والدعاء كما قيل له ( صلى الله عليه وسلم ) في غير هذا الموضع
77 ( ) فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ( ) 7
[ الأحقاف : 35 ]
77 ( ) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( ) 7
[ فاطر : 8 ] فقد دام دعاء نوح عليه السلام مع قومه أدوم من مدتك ، ومع ذلك فلم يزدهم إلا فراراً
77 ( ) قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً ( ) 7
[ نوح : 4 - 7 ] ثم مضت آي السورة على هذا المنهج من تجديد الإخبار بطول مكابدته عليه السلام وتكرير دعائه ، فلم يزدهم ذلك إلا بعداً وتصميماً على كفرهم حتى أخذهم الله ، وأجاب فيهم دعاء نبيه نوح عليه السلام
77 ( ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ( ) 7
[ نوح : 26 ] وذلك ليأسه من فلاحهم ، وانجر في هذا حض نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) على الصبر على قومه والتحمل منهم كما صرح به في قوله تعالى :
77 ( ) خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين ( ) 7
[ الأعراف : 199 ] وكما قيل له قبل
77 ( ) فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت ( ) 7
[ القلم : 48 ]
77 ( ) وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ( ) 7
[ هود : 120 ] انتهى .
ولما أخبر عن رسالته ومضمونها بما أعلم من ان الفساد كان غالباً عليهم ، استأنف قوله بياناً لامتثاله : ( قال ) أي نوح عليه السلام : ( يا قوم ( فاستعطفهم بتذكيرهم أنه أحدهم يهمه ما يهمهم .

الصفحة 163