كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 171
طوالاً وقصاراً بيضاً وسوداً وبين ذلك - إلى غير ذلك من الأمور الدالة على قدرته على كل مقدور ، ومن قدر على هذا الابتداء كان على الإعادة أعظم قدرة ، وقد ثبتت حكمته وأنه لم يخلق الخلق الخلق سدى بما بان من هذا التطوير على هذه الهيئات العجيبة التي لا قدرة لغيره عليها بوجه ، وهم يتهارجون في هذه الدار تهارج الحمر ، ويموت المظلوم على حاله ، والظالم يبلغ آماله ، فلا بد أن يعيدهم ليفصل بينهم فيظهر حكمته وعدله وإكرامه وفضله ، ولو ترك ذلك لكان نقصاً في ملكه ، ومن قدر على ذلك كان قادراً على الجزاء بالثواب والعقاب ، فهو أهل لأن يخشى ويرجى .
ولما كان هذا واضحاً ولكنهم قوم لد ، لا يردهم إلا الشمس المنيرة في وقت الظهيرة ، ذكرهم - بعد التذكير بما في أنفسهم - بما هو أكقر من ذلك من آيات الآفاق وقسمها إلى علوي وسفلي ، وبدأ بالأنفس لأنها مع شرفها أقرب منظور إليه لهم ، وثنى بالعلوي لأنه يليها في الشرف ووضوح الآيات ، فقال : دالاًّ على القدرة على البعث والجزاء بالثواب والعقاب : ( ألم تروا ) أي أيها القوم .
ولما كان تأمل الكيفيات يحتاج إلى دقة وتوقف على عجائب ولطائف تؤذن قطعاً بأن فاعلها لا يعجزه شيء ، وقال منكراً عليهم عدم التأمل : ( كيف خلق الله ) أي الذي له العلم التام والقدرة البالغة والعظمة الكاملة ) سبع سماوات ( هي في غاية العلو والسعة والإحكام والزينة ، يعرف كونها سبعاً بما فيها من الزينة .
ولما كانت المطابقة بين المتقابلات في غاية الصعوبة لا يكاد يقدر عليها من جميع الوجوه أحد ، قال : ( طباقاً ) أي متطابقة بعضها فوق بعض وكل واحدة في التي تليها محيطة بها ( ما لها من فروج ) لا يكون تمام المطابقة إلا كذلك بالإحاطة من كل جانب .
ولما كان المحيط لا يتوصل إلى داخله إلى محيط العلم والقدرة ، قال دالاًّ على كما قدرته وتصرفه معبراً بالجعل الذي يكون عن تصيير وتسبيب : ( وجعل القمر ) أي الذي ترونه وهو في السماء الدنيا ، وبدأ به لقربه وسرعة حركته وقطعه جميع البروج في كل شهر مرة وغيبته في ليالي السرار ثم ظهوره ، وذلك أعجب في القدرة .
ولما كانت السماء شفافات قال : ( فيهن ) أي السماوات جميعهن ) نوراً ) أي لامعاً منتشراً كاشفاً للمرئيات ، أحد وجهيه يضيء لأهل الأرض والثاني لأهل السماوات ، ولما كان نوره مستفاداً من نور الشمس قال : ( وجعل ( معظماً لها بإعادة العامل ) الشمس ) أي في السماء الرابعة ) سراجاً ) أي نوراً عظيماً كاشفاً لظلمه الليل عن وجه الأرض وهي في السماء الرابعة ، وروى ابن مردويه وعبد الرزاق والطبري عن