كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 173
البساط ، ثم علل فقال : ( لتسلكوا ) أي منجدين ) منها ) أي الأرض مجددين لذلك ) سبلاً ) أي طرقاً واضحة مسلوكة بكثرة ) فجاجاً ) أي ذوات اتساع لتتوصلوا إلى البلاد الشاسعة براً وبحراً ، فيعم الانتفاع بجميع البقاع ، فالذي قدر على إحداثكم وأقدركم على التصرف في أصلكم مع ضعفكم قادر على إخراجكم من أجداثكم التي لم تزل طوع أمره ومحل عظمته وقهره .
ولما كانوا جادلوه عليه الصلاة والسلام بعد هذا البيان الذي لا يشك في دلالته على المراد من تحقق لصفاء الإيقان ، فأكثروا الجدال ونسبوه إلى الضلال وعصوه أقبح العصيان وقابلوه بأشنع الأقوال والأفعال ، طوى ذلك مشيراً إليه بقوله مستأنفاً : ( قال نوح ) أي بعد رفقه بهم ولينه لهم شاكياً منهم : ( رب ) أي أيها المحسن إليّ المدبر لي المتولي لجميع أموري .
ولما كان الضعفاء أكثر الناس بحيث إذا اجتمعوا دل الرؤوس الأقوياء بالأموال والأولاد وكانوا كأنهم الكل ، فقال مؤكداً لأن عصيانهم له بعد ذلك مما يبعد وقوعه : ( إنهم ) أي قومي الذين دعوتهم إليك مع صبري عليهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ) عصوني ) أي فيما أمرتهم به ودعوتهم إليه فأبوا أن يجيبوا دعوتي وشردوا عني أشد شراد وخالفوني أقبح مخالفة ) واتبعوا ) أي بغاية جهدهم نظراً إلى المظنون العاجل بعد ترك المحقق عاجلاً وآجلاً ) من ) أي من رؤسائهم البطرين بأموالهم المغترين بولدانهم ، وفسرهم بقوله : ( لم يزده ) أي شيئاً من الأشياء .
ولما كان المال يكون للإنسان الولد ، وكان ينبغي ان يشكر الله الذي آتاه إياه ليكون له يراً في الدارين وكذا الولد قال : ( ماله ) أي بكثرته ) وولده ( كذلك ، وهو الجنس في قراءة التحريك - وكذا في قراءة ابن كثير والبصريين وحمزة والكسائي بالضم والسكون على أنه لغة في المفرد كالحزن والحزن والرشد والرشد ، أو يكون على هذه جمعاً كالأسد والأسد ، ويكون اختيار أبي عمرو لهذه القراءة في هذا الحرف وحده للإشارة بجمع الكثرة المبني على الضمة الكثرة المبني على الضمة التي هي أشد الحركات إلى أنهم - وإن زادت كثرتهم وعظمت قوتهم - فإن البسط لهم في الدنيا بذلك كان سبباً لطغيانهم وبطرهم واتباعهم لأهوائهم حتى كفروا واستغووا غيرهم فغلبوا عليهم فكانوا سبباً في شقائهم وخسراتهم بخسارتهم ، وكان عندهم أنها زادتهم رفعة ، وفي السياق دليل على أنهم ما حصلت لهم الوجاهة إلا بها .

الصفحة 173