كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 174
نوح : ( 22 - 24 ) ومكروا مكرا كبارا
) وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً ( ( )
ولما كانت كثرة الرؤساء قوة أخرى إلى قوتهم بمتاع الدنيا ، وكان التقدير : فأمرتهم بالإيمان فأبوا وأمروهم بالكفر فانقادوا لهم ، عطف عليه مبيناً لكثرتهم بضمير الجمع العائد على ( من ) عاطفاً على ( لم يزده ) المفردة الضمير للفظ جامعاً له للمعنى لتجمع العبارة الحكم على المفرد والجمع ، فيكون أدل شيء على المراد منها فقال : ( ومكروا ) أي هؤلاء الرؤساء في تنفير الناس عني - وأكد الفعل بالمصدر دلالة على قوته فقال : ( مكراً ( وزاده تأكيداً بصيغة هي النهاية في المبالغة فقال : ( كباراً ( فإنه أبلغ من كبار المخفف الأبلغ من كبير ، فلم يدعوا أحد منهم بذلك المكر يتبعني ) وقالوا ) أي لهم في أداني المكر الذي حصل منهم .
ولما كان دعاء الرسل عليهم الصلاة والسلام جديراً بالقبول لما لهم من الجلالة والحلاوة والبيان والرونق والظهور في الفلاح ، أكدوا قولهم : ( لا تذرن آلهتكم ) أي لا تتركنها على حالة من الحالات لا قبيحة ولا حسنة ، وأضافوها إليهم تحسباً فيها ، ثم خصوا بالتسمية زيادة في الحث وتصريحاً بالمقصود فقالوا مكررين النهي والعامل تأكيداً : ( ولا تذرن ( ولعلهم كانوا يوافقون العرب في أن الود هو الحب الكثير ، فناسب التأكيد وأبلغوا فيه فقالوا : ( ولا يغوث ( ولما بلغ التأكيد نهاية وعلم أن المقصود النهي عن التأكيد للعلم بإرادته ، وكان هؤلاء ناساً صالحين ، فلما ماتوا حزن عليهم الناس ثم زين لهم إبليس تصويرهم تشويقاً إلى العمل بطرائقهم الحسنة فصوروهم ، فلما تمادى الزمان زين لهم عبادتهم لتحصيل المنافع الدنيوية ببركاتهم ثم نسي القوم الصالحون ، وجعلوا أصناماً آلهة من دون الله ، وكانت عابدة هؤلاء أول عبادة الأوثان فأرسل الله سبحانه وتعالى نوحاً عليه الصلاة والسلام للنهي عن ذلك إلى أن كان من أمره وأمر قومه ما هو معلوم ، ثم أخرج إبليس هذه الأصنام بعد الطوفان فوصل شرها إلى العرب ، فكان ود لكلب بدومة الجندل وسواع لهذيل ويغوث لمذحج ويعوق لمراد ونسر لحمير لآل ذي الكلاع ، وقيل غير ذلك - والله أعلم قال البغوي : سواع لهذيل ويغوث لمراد ، ثم لبني غطيف بالجرف عن سبأ ويعوق لهمذان .
قال أبو حيان : قال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث وكان من رصاص يحمل على جمل أجرد ، يسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك ، فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل ،