كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 178
ويجوز - وهو أقرب - أن يكون هذا الدعاء عند ركوبه السفينة وابتداء الإغراق فيهم ، يريد به العموم كراهية أن يبقى أحد منهم على ذروة جبل أو نحوه ، لا أصل الإغراق ، وأن يكون معنى ما قبله الحكم بإغراقهم وتحتم القضاء به أو الشروع فيه .
ولما كان الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يقولون ولا يفعلون إلا ما فيه مصلحة الدين ، علل دعاءه بقوله وأكده إظهاراً لجزمه باعتقاد ما أنزل عليه من مضمون قوله تعالى :
77 ( ) إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ( ) 7
[ هود : 36 ] وإن كان ذلك خارجاً عن العادة : ( إنك ) أي يا رب ) إن تذرهم ) أي تتركهم على أي حالة كانت في إبقائهم سالمين على وجه الأرض على ما هم عليه من الكفر والضلال والإضلال ولو كانت حالة دنية ) يضلوا عبادك ) أي الذين آمنوا بي والذين يولدون على الفطرة السليمة .
ولما كان ربما كان الإنسان ضاراً ووجد له ولد نافع ؛ نفى ذلك بقوله : ( ولا يلدوا ) أي إن قدرت بقاءهم في الدنيا ) إلا فاجراً ) أي مارقاً من كل ما ينبغي الاعتصام به ، واكتفى فيه بأصل الفاعل إشارة إلى أن من جاوز الحد أو شرع في شيء بعده من التمادي في الغي صار ذلك له ديدناً فبالغ ، فلذلك قال : ( كفاراً ) أي بليغ الستر لما يجب إظهاره من آيات الله لأن قولك يا رب لا يتخلف أصلاً ، والظاهر أن هذا الكلام لا يقوله إلا عن وحي كما في سورة هود عليه السلام من قوله تعالى :
77 ( ) إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ( ) 7
[ هود : 36 ] فيكون على هذا حتى صغارهم معذبين بما يعلم الله منهم لو بلغوا لا بما عملوه كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) في أولاد الكفار ( الله أعلم بما كانوا عاملين ) ولما دل هذا كله على أنه دعا على أعداء الله ، دعا أيضاً لأوليائه وبدأ بنفسه لأنه رأس تلك الأمة ، فقال مسقطاً على عادة أهل الخصوص : ( رب ) أي أيها المحسن إليّ باتباع من اتبعني وتجنب من تجنبي ، فإن من كانت طبيعته طبعت على شيء لا تحول عنه .
ولما كان المقام الأعلى أجل من أن يقدره أحد حق قدره قال : ( اغفر لي ) أي فإنه لا يسعني وإن لا يسعني وإن كنت معصوماً إلا حلمك وعفوك ورحمتك .
ولما أظهر بتواضعه عظمة الله سبحانه وتعالى رتب المدعو لهم على الأحق فالأحق فقال : ( ولوالديّ ( وكانا مؤمنين وهما لمك بن متوشلخ وشمخاء بنت أنوش ، قال أبو حيان : وقال ابن عباس