كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 183
معارضته إلى ما شاهدوه من عظيم البراهين ، ومع ذلك عموا وصموا - غذب الله عليهم ولعنهم - وسبق إلى الإيمان من ليس من جنسهم ولا سبقت له مزية تكريمهم ، وهم الجن ممن سبقت لهم من الله الحسنى فآمنوا وصدقوا ، وامراً ( صلى الله عليه وسلم ) بالإخبار بذلك ، فأنزل الله تعالى عليه
77 ( ) قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن ( ) 7
[ الجن : 1 ] الآيات إلى قوله إخباراً عن تعريف الجن سائر أخوانهم بما شاهدوه من عنااد كفار العرب ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً ) ثم استمرت الآي ملتحمة المعاني معتضدة المباني إلى آخر السورة - انتهى .
ولما بينوا فضله من جهة الإعجاز وغيره ، بينوا المقصود بالذات الدال على غوصهم على المعاني بعد علمهم بحسن المباني فقالوا : ( يهدي ) أي يبين غاية البيان مع الدعاء في لطف وهدى ) إلى الرشد ) أي الحق والصواب الذي يكاد يشرد لثقله على النفوس الداعية إلى الهوى وخفة ضده الغي والسفه الملائم لنقص النفوس .
ولما وصفوه بهذه الكمالات سببوا عن ذلك قولهم إعمالاً للقوة العملية في المبادرة إلى الصواب من غير تخلف أصلاً : ( فآمنا ) أي كل من استمع منا لم يتخلف منا أحد ولا توقف بعد الاستماع ) به ) أي أوقعنا الأمان لمبلغ القرآن أن نكذبه أو نخالفه أدنى مخالفة بسبب هذا القرآن .
ولما أخبروا عن الماضي ، وكان الإيمان لا يفيد إلا مع الاستمرار ، قالوا عاطفين على ما تقديره : فوجدنا الله في الحال لأن ذلك نتيجة الإيمان بالقرآن وخلعنا الأنداد : ( ولن ) أي والحال أنا مع إيقاع الإيمان في الحال لن ) نشرك ( بعد ذلك أصلاً ، أكدوا أنه أمر لا يكاد يصدق ) بربنا ) أي الذي لا إحسان قائم بنا من الإيجاد ومابعده إلا منه ) أحداً ) أي من الخلق لأنه لم يشركه في شيء من مرنا أحد ، وقد وضحت الدلائل على التوحيد فيما سمعنا من هذا القرآن .
ولما أظهروا القوتين العلمية بفهمهم القرآن ، والعملية بما حصل لهم من الإذعان ، أعملوا ما لهم في الدعاء إلى الله تعالى من قوة البيان ، فبعد أن نزهوه سبحانه عن الشرك عموماً خصوا مؤكدين في قراءة ابن كثير والبصريين وأبي جعفر بالكسر لما تقدم من أن مثل هذه السهولة لا تكاد تصدق ، فقالوا عطفاً على
77 ( ) إنا سمعنا ( ) 7
[ الجن : 1 ] : ( وأنه ) أي الشأن العظيم قال الجن : ( تعالى ) أي انتهى في العلو والارتفاع إلى حد لا يستطاع ) جد ) أي عظمة وسلطان وكمال غنى ) ربنا ) أي الموجد لنا والمحسن إلينا ، وإذا كان هذا التعالي لجده فما بالك به ، وكذا حكت هذه القراءة بقوله الجن ما بعد هذا إلا
77 ( ) وأن لو استقاموا ( ) 7
[ الجن : 16 ] و
77 ( ) أن المساجد لله ( ) 7
[ الجن : 18 ] و
77 ( ) أنه لما قام ( ) 7