كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 188
) أحداً ) أي بعد موته لما لبس به عليهم إبليس حتى رأوا حسناً ما ليس بالحسن ، أو أحد من الرسل يزيل به عماية الجهل وما عليه الإنس من استغواء الجن لهم وغير ذلك من الضلال ، وقد ظهر بالقرآن أن هذا الظن كاذب وأنه لا بد من البعث في الأمرين لأنه حكمة الملك وخاصة الملك .
ولما كان عدم البعث من خلل في القدرة ، شرعوا في إثبات تمام القدرة على وجه دال على صحة القرآن وحراسته من الجان ، لئلا يظن أنه من نحو ما للكهان ، فقالوا مؤكدين في قراءة الكسر لاستبعاد الوصول إلى السماء حثاً على طلب المهمات وإن بعد مكانها : ( وإنا ( ولما كان يعبر عن الإمعان في التفتيش بالالتماس ، وكان تجريد الفعل أعظم من ذل للدلالة على الخفة وعدم الكلفة قال : ( لمسنا السماء ) أي الدنيا التمسنا أخبارها على ما كان من عادتنا لاستماع ما يغوى به الإنسان التماساً هو كالحس باللمس باليد ) فوجدناها ( من جميع نواحيها وهو من الوجدان ) ملئت ) أي ملأً هو في غاية السهولة والخفة على فاعله ) حرساً ) أي حراساً اسم جمع ، فهو مفرد اللفظ ، ولذلك وصف بقوله : ( شديداً ) أي بالملائكة ) وشهباً ( جمع سهاب وهو المتوقد من النار ، فعلت هممهم حتى طلبوا المهمات الدين المحققة من مسيرة ساعة أو دونها ، وأن يقعد في مجلس العلم ساعة أو دونها ، والتعبير بالملء يدل على أنها كانت قبل ذلك تحرس لكن لا على هذا الوجه فقيل : إنها حرست لنزول التوراة ثم اشتد الحرس للانجيل ثم ملئت لنزول القرآن فمنعوا من الاستماع أصلاً إلا ما يصدق القرآن إرهاصاً للنبوة العظمى الخاتمة لئلا يحصل بهم نوع لبس .
ولما أخبروا عن حالهم إذ ذاك لأنه الأهم عندهم ، أخبروا عن حالها قبل ، فقالوا مؤكدين لما للإنس من التكذيب بوصول أحد إلى السماء : ( وإنا كنا ) أي فيما مضى ) نقعد منها ) أي السماء ) مقاعد ) أي كثيرة قد علمناها لا حرس فيها فهي صالحة ) للسمع ) أي لأن نسمع منها بعض ما تتكلم به الملائكة بما أمروا بتدبيره ، وقد جاء في الخبر أن صفة قعودهم هي أن يكون الواحد منهم فوق الآخر حتى يصلوا إلى السماء ، قال أبو حيان : فمتى احترق الأعلى كان الذي تحته مكانه فكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان فيزيدون معها الكذب .
ولما كان التقدير : فنستمع منها فنسمع ما يقدر لنا من غير مانع ، عطف عليه قوله : ( فمن يستمع ) أي يجتهد في الوصول إلى السمع ) الآن ) أي في هذا الوقت فيما يستقبل أنهم قسموا الزمان إلى ما كان من إطلاق الاستماع لهم وإلى ما صار إليه