كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 20
تقدم من السورة كلها : ( فاتقوا الله ( مظهراً غير مضمر تعظيماً للمقام واحترازاً من أن يتوهم نوع تقيد فأفهم الإظهار إن المعنى : اجعلوا بينكم وبين سخط الملك الأعلى وقاية من غير نظر إلى حيثية ولا خصوصية بشيء ما ، باجتناب نواهيه بعد امتثال نواهيه بعد امتثال أوامره ، فإن التقوى إذا انفردت كان المراد بها فعل الأوامر وترك المناهي ، وإذا جمعت مع غيرها أريد بها اجتناب النواهي فقط .
ولما كان الأمر إذا نسب إليه سبحانه أعظم من مقالة قائل ، فلا يستطيع أحد أن يقدره سبحانه حق قدره ، خفف ويسر بقوله : ( ما استطعتم ) أي ما دمتم في الجملة قادرين مستطيعين ، ويتوجه عليكم التكليف في العلميات والعمليات ، وابذلوا جهدكم في ذلك في الإيمانيات لما علمتم من ذاته ومراتبته وصفاته وتعالى وأفعاله ، وغير ذلك من جميع أعمالكم الظاهرة والباطنة ، وأعظمه الهجرة والجهاد ، فلا يمنعكم الإخلاد إليها ذلك والتقوى فيما وقع من المكروهات بالندم والإقلاع مع العزم على ترك العود ، وفيما لم يقع بالاحتراس عن أسبابه ، وبذلك الإنسان جميع جهده هو الاتقاء حق التقاة فلا نسخ - والله أعلم .
ولما كان إظهار الإسلام فيه مشقة كالأعمال قال : ( واسمعوا ) أي سماع إذعان وتسليم لما توعظنون به ولجميع أوامره ) وأطيعوا ) أي وصدقوا ذلك الإذعان بمباشرة الأفعال الظاهرة في الإسلاميات من القيام بأمر الله والشفقة على خلق الله في كل أمر ونهي على حسب الطاقة ، وحذف المتعلق ليصدق بكل طاعة من الكل والبعض وكذا في الإنفاق .
ولما كان الإنفاق شديداً أكد أمره بتخصيصه بالذكر فقال : ( وأنفقوا ) أي أوقعوا الإنفاق كما حد لكم فيما أوجبه أو ندب إليه وإن كان في حق من اطلعتم منها على عداوة ، والإنفاق لا يخص نوعاً بل يكون ما رزق الله من الذاتي والخارجي .
ولما كان الحامل على الشح وما يخطر في البال من الضروات التي أعزها ضرورة النفس ، رغب فيه بما ينصرف إليه بادئ بدء ويعم جميع ما تقدم فقال : ( خيراً ) أي يكن ذلك أعظم خير واقع ) لأنفسكم ( فإن الله يعطي خيراً منه في الدنيا ما يزكي به النفس ، ويدخر عليه من الجزاء في الآخرة ما لا يدري كنهه ، فلا يغرنكم عاجل شيء من ذلك فإنما هو زخرف وغرور لا طائل تحته .
ولما ذكر ما في الإنفاق من الخير عم في جميع الأوامر فقال : ( ومن يوق ( بناه للمفعول تعظيماً للترغيب فيه نفسه مع قطع الناصر عن الفاعل أي يقيه واق أيّ واق كان - وأضافه إلى ما الشؤم كله منه فقال : ( شح نفسه ( فيفعل في ماله وجميع ما أمر به ما يطيقه مما أمر به موقناً به مطمئناً إليه حتى

الصفحة 20