كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 200
عليه .
ولما دل هذا السياق على عزة علم الغيب واكنت عزته سبباً لحراسة من يطلع عليه ليؤديه إلى من أمر به كما أمر به ، أعلم سبحانه وتعالى بذلك بقوله مؤكداً تمييزاً له من علم الكهان الذي أصله من الجان دالاًّ على إجلال الرسل وإعظامهم وتبجيلهم وإكرامهم : ( فإنه ) أي الله سبحانه وتعالى يظهر ذلك الرسول على ما يريد من الغيب .
وذلك أنه إذا أراد إظهاره عليه ) يسلك ) أي يدخل إدخال السلك في الجوهرة في تقومه ونفوذه من غير أدنى تعريج إلى غير المراد .
ولما كان الغرض يحصل بمن يقيمه سبحانه من جنوده للحراسة ولو أنه واحد من كل جهة بل وبغير ذلك ، وإنما جعل هذا الإخراج للأمر على ما يتعارفه العباد ، عبر بالجارّ دليلاً على عدم استغراق الرصد للجهات إلى منقطع الأرض مثلاً فقال : ( من بين يديه ( إلى الجهة التي يعلمها ذلك الرسول ) ومن خلفه ) أي الجهة التي تغيب عن علمه ، فصار ذلك كفاية عن كل جهة ، ويمكن أن يكون ذكر الجهتين دلالة على الكل وخصهما لأن العدو متى أعريت واحدة منهما أتى منها ، ومتى حفظت لم يأت من غيرها ، لأنه يصير بين الأولين والآخرين ) رصداً ) أي حرساً من جنوده يحرسونه ويحفظونه بحفظ ما معه من الغيب من اختطاف الشياطين أو غيرهم لئلا يسترقوا شيئاً من خبره - قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال مقاتل وغيره رضي الله عنهما : يخبرونه بمن أنكره بأن يحذروه منه إن كان شيطاناً أو بأمره بالسماع منه إن كان ملكاً ، وذلك أن إبليس كان يأتي الأنبياء في صورة جبريل عليه السلام ولكن الله عصمهم منه .
ولما كان هذا الدأب نم الحفظ في كل رسول بين الغاية جامعاً تعييناً لما اقتضاء الجنس ، وبياناً لأن الأفراد أولاً مراد به الجمع ، وأنه ما عبر به إلا لتشمل الحراسة كل فرد منهم فقال : ( ليعلم ) أي الله علماً كائناً واقعاً على هذه الصفة التي تعلق بها علمه في الأزل قبل وجودها بما لا يعلمه إلا هو سبحانه أنها ستكون ) أن ) أي إن الرسل عليهم الصلاة والسلام ) قد أبلغوا ) أي غلى من أرسلوا إليه ) رسالات ربهم ) أي الذي أوجدهم ودبر جميع أمورهم واختارهم لرسالاته على ما هي عليه لم يشبها شائبة ولا لحقها غبر .
ولما كان هذا ربما أوهم أنه محتاج في الحفظ إلى الرصد أزال ذلك بقوله : ( وأحاط ) أي فعل ذلك والحال أنه قد أحاط ) بما لديهم ) أي الرسل والمرسل إليهم من الملائكة والبشر على أدق الوجوه وأعظمها وأغربها بما أشار إليه التعبير بلدى ، ولما كان هذا كافياً في المقصود ، لكنه قاصر على محل الحاجة عم تعريفاً بالأمر على ما هو عليه ، فقال حاملاً على شدة الوثوق بما تقوله الرسل عن ربهم وأنه لا لبس فيه ولا غائلة بوجه ، مبيناً غاية البيان كذب حديث الغرانيق الذي ذكره بعض المفسرين وغيرهم في

الصفحة 200