كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 203
قال ( صلى الله عليه وسلم ) في قتلى أحد - ( زملوهم بثيابهم ودمائهم ) مع الإشارة إلى الإخفاء أيضاً بإدغام تاء التفعل ، وربما أشار الإدغام إلى أن الستر بالثوب لم يعم جميع البدن ، كما يأتي في المدثر على أن فيه مع ذلك إشارة إلى البشارة بالقوة على حمل أعباء ما يراد به ، من قولهم : زمل الشيء - إذا رفعه وحمله ، والازدمال : احتمال الشيء ، وزملت الرجل على البعير وغيره - إذا حملته عليه ، ومن زملت الدابة في عدوها - إذا نشطت ، والزامل من حمر الوحوش الذي كأنه يظلع من نشاطه ، ورجل إزميل : شديد ، والزاملة : بعير يستظهر به الرجل لحمل طعامه ومتاعه عليه ، ويقال للرجل العالم بالأمر : هو ابن زوملتها ، وقال ابن عطاء : يا أيها المخفي ما تظهره عليه من آثار الخصوصية هذا أوان كشفه ، وقال عكرمة : يا أيها الذي حمل هذا الأمر ، وقال السدي : أراد يا ألها النائم ، وقال غيره : كان هذا في ابتداء الوحي بالنبوة ، والمدثر في ابتداء الوحي بالرسالة ، ثم خوطب بعد ذلك بالنبي والرسول : ( قم ) أي في خدمتنا بحمل أعباء نبوتنا والزدمال بالاجتهاد في الاحتمال ، واترك التزمل فإنه مناف للقيام .
ولما كان الاجتهاد في الخدمة دالاًّ على غاية المحبة ، وكانت النية خيراً من العمل ، وكان الإنسان مجبولاً على الضعف ، وكان سبحانه لطيفاً بهذه الأمة تشرفياً لإمامها ( صلى الله عليه وسلم ) ، رضى منا سبحانه بصدق التوجه إلى العمل وجعل أجورنا أكثر من أعمالنا ، فجعل غحياء البعض إحياء للكل ، فأطلق اسم الكل وأراد البعض فقال : ( الليل ) أي الذي هو وقت الخلوة والخفية والستر ، فصل لنا في كل ليلة من هذا الجنس وقف بين يدينا بالمناجاة والأنس بما أنزلنا عليك من كلامنا فإنا نريد إظهارك وإعلاء قدرك في البر والبحر والسر والجهر ، وقيام الليل في الشرع معناه الصلاة فلذا لم يقيده ، وهي حامعة لأنواع الأعمال الظاهرة والباطنة ، وهي عمادها ، فذكرها دال على ما عداها .
ولما كان للبدن حظ في الراحة قال مستثنياً من الليل : ( إلا قليلاً ) أي من كل ليلة ، ونودي هذا النداء لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما جاءه الوحي بغار حراء رجع إلى خديجة زوجته رضي الله تعالى عنها يرجف فؤاده فقال : ( زملوني زملوني لقد خشيت على نفسي ) فسألته رضي الله عنها عن حاله ، فلما قص عليها أمره - قال : ( خشيت على نفسي )

الصفحة 203