كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 204
يعني أن يكون هذا مبادئ شعر أو كهانة ، وكل ذلك من الشياطين وأن يكون الذي ظهر له بالوحي ليس بملك ، وكان ( صلى الله عليه وسلم ) يبغض الشعر والكهانة غاية البغضة ، فقالت له وكانت وزيرة صدق : ( كلا والله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل ارحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق ) ونحو هذا من المقال الذي يثبت ، وفائدة التزمل أن الشجاع الكامل إذا دهمه أمر هو فوق قواه ففرق أمره فرجع إلى نفسه ، وقصر بصره وبصيرته على حسه ، اجتمعت قواه إليه فقويت جبلته الصالحة على تلك العوارض التخييلية فهزمتها فرجع إلى أمر الجبلة العلية ، وزال ما عرض من العلة البدنية .
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما كان ذكر إسلام الجن قد أحرز غاية انتهى إلى مرماها وتم مقصدها ومبناها ، وهي الإعلام باستجابة هؤلاء وحرمان من كان أولى بالاستجابة ، وأقرب في ظاهر الأمر إلى الإنابة ، بعد تقدم وعيدهم وشديد تهديدهم ، صرف الكلام إلى أمره ( صلى الله عليه وسلم ) بما يلزمه من وظائف عبادته وما يلزمه في أذكاره من ليله ونهاره ، مفتتحاً ذلك بأجمل مكالمة وألطف مخاطبة ) يا أيها المزمل ) [ المزمل : 1 ] وكان ذلك تسلية له صل الله عليه وسلم وكان تسلية ( صلى الله عليه وسلم ) كما ورد
77 ( ) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( ) 7
[ فاطر : 8 ] إلى آخره ، وليحصل منه الاكتراث بعناد من قدم عناده وكثرة لججه ، وأتبع ذلك بما يشهد لهذا الغرض ويعضده وهو قوله تعالى
77 ( ) فاصبر صبراً جميلاً ( ) 7
[ المعارج : 5 ]
77 ( ) واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً ( ) 7
[ المزمل : 10 - 11 ] وهذا عين الوارد في قوله تعالى :
77 ( ) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( ) 7
[ فاطر : 8 ] وفي قوله
77 ( ) نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار ( ) 7
[ ق : 45 ] ثم قال :
77 ( ) إن لدينا أنكالاً ( ) 7
[ المزمل : 12 ] فذكر ما أعد لهم ، وإذا تأملت هذه الآي وجدتها قاطعة بما قدمناه ، وبان لك التحام ما ذكره ، ثم رجع الكلام إلى التلطف به عليه الصلاة والسلام وبأصحابه - رضي الله عنه أجمعين - وأجزل جزاءهم مع قووع التقصر ممن يصح منه تعظيم المعبود الحق جل جلاله
77 ( ) علم ان لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن ( ) 7
[ المزمل : 20 ] ثم ختم السورة بالاستغفار من كل ما تقدم من عناد الجاحدين المقدم ذكرهم فيما قبل من السور إلى ما لا يفي العباد المستجيبون به مما أشار إليه قوله تعالى :
77 ( ) علم أن لن تحصوه ( ) 7
[ المزمل : 20 ] انتهى .
ولما كان الليل اسماً لما بين غروب الشمس وطلوع الفجر ، وكان قيامه في غاية المشقة ، حمل سبحانه من ثقل ذلك ، فقال مبيناً لمراده بما حاط عليه الكلام بعد