كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 21
يرتفع عن قلبه الأخطار ، ويتحرز عن رق المكونات ، والشح : خلق باطن هو الداء العضال رأس الحية وكل فتنة ضلالة ، والبخل فعل ظاهر ينشأ عن الشح ، والنفس تارة تشح بترك الشهوة من المعاصي فتفعلها ، وتارة بإعطاء الأعضاء في الطاعات فتتركها ، وتارة بإنفاق المال ، ومن فعل منا فرض عليه خرج عن الشح .
ولما كان الواقي إنما هو الله تعالى سبب عن وقايته قوله : ( فأولئك ) أي العالو الرتبة ) هم ) أي خاصة ) المفلحون ) أي الذين حازوا جميع المرادات بما اتقوا الله فيه من الكونيات من المال والولد والأهل والمشوشات من جميع القواطع .
ولما أمر ورهب من ضده على وجه أعم ، رغب فيه تأكيداً لأمره لما فيه نم الصعوبة لا سيما في زمان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإن المال فيه كان في غاية العزة ولا سيما إن كان في لوازم النساء اللاتي افتتح الأمر بأن منهن أعداء ولا سيما إن كان في حال ظهور العداوة ، فقال بياناً للإفلاح متلطفاً في الاستدعاء التعبير بالقرض مشيراً إلى أنه على خلاف الطبع بأدة الشك : ( إن تقرضوا الله ) أي الملك الأعلى ذا الغنى المطلق المستجمع لجميع صفات الكمال بصرف المال وجميع قواكم التي جعلها فتنة لكم في طاعاته ، ورغب في الإحسان فيه بالإخلاص وغيره فقال : ( قرضاً حسناً ) أي على صفة الإخلاص والمبادرة ووضعه في أحسن مواضعه على أيسر الوجوه وأجملها وأهنأها وأعدلها ، وأعظم التغريب فيه بأن رتب عليه الربح في الدنيا والغفران في الآخرة فقال : ( يضاعفه لكم ) أي لأجلكم خاصة أقل ما يكون للواحد عشراً إلى ما لا يتناهى على حسب النيات ، قال القشيري : يتوجه الخطاب بهذا على الأغنياء في بذلك أموالهم وعلى الفقراء في إخلاء أيامهم وأوقاتهم عن مراداتهم وإيثار مراد الحق على مراد أنفسهم ، فالغني يقال له : آثر على مرادك في مالك وغيره ، والفقير يقال له : آثر حكمي في نفسك وقلبك ووقتك .
ولما كان الإنسان لما له النقصان وإن اجتهد لا يبلغ جميع ما أمر به لأن الدين وإن كان يسيراً فهو متين ( لن يشاده أحد إلا غلبه ) قال : ( ويغفر لكم ) أي يوقع الغفران وهو محو ما فرط عينه وأثره لأجلكم ببركة الإنفاق ، وقد تضمنت هاتان الجملتان جلب السرور ودفع الشرور ، وذلك هو السعادة كلها .
ولما كان التقدير : فاللّه غفور رحيم ، عطف عليه قوله : ( والله ) أي الذي لا يقاس عظمته بشيء ) شكور ) أي بليغ الشكر لمن يعطي لأجله ولو كان قليلاً فيثيبه ثواباً

الصفحة 21