كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 26
النخل ونحوه .
ولما كان منطوق ذلك أنه لا يجوز له إخراجها كارهة ، ولا يجوز لها أن تخرج بنفسها فقط وهو كاره فأفهم ذلك أنهما لو اتفقا جاز لأن ذلك خارج عن المنهي ، استثنى من كلا شقي المنهي عنه بقوله .
) إلآ أن يأتين ) أي جنس المطلقات الصادق بواحدة وأكثر ) بفاحشة ) أي خصلة محرمة شديدة القباحة ) مبينة ) أي ظاهرة في نفسها ظهوراً بيناً عند كل من أريد بيانها له ، وذلك كالبذاءة منها على الزوج أو أقاربه فإنه كالنشوز يسقط حقها من السكنى ، فيجوز له إخراجها لقطع الشر ، وهو معنى قراءة أبي رضي الله عنه : إلا أن يفحشن عليكم ، وكالزنا فتخرج بنفسها ويخرجها غيرها من الزوج وغيره لإقامة الحد عليها وغير ذلك من الفواحش كما أنه يطلقها للنشوز فإنه لا سكنى لها حينئذ .
ولما كان التقدير : هذه أحكام هذا الفرع ، عطف عليه تعظيماً لها قوله تعالى : ( وتلك ) أي الأحكام العالية جداً بما فيها من الجلالة وبانتسابها إلى الملك الأعلى من هذا الذي ذكر في هذه السورة وغيره ) حدود الله ) أي الملك الأعظم الذي هو نور السماوات والأرض .
ولما كان التقدير : فمن تحاماها فقد أنصف نفسه بأخذه النور المبين ، عطف عليه قوله : ( ومن يتعد ) أي يقع منه في وقت من الأوقات أنه يتعمد أن يعدو ) حدود الله ) أي الملك الأعظم ) فقد ظلم نفسه ( بأن مشاها في الظلام فصارت تضع الأشياء في غير مواضعها ، فصار بمعرض الهلاك بالعقاب كما أن الماشي في الظلام معرض للوقوع في حقرة والدوس على شوكة أو حية أو عقرب أو سبع ، أو لأن ينفرد بقاطع ، أو أن يضل عن الطريق إلى مهالك لا يمكن النجاة منها ، ومثال ذلك الحكيم إذا وصف دواء بقانون معلوم في وقت محدود ومكان مخصوص فخولف لم لم يضر يضر المخالف ذلك الحكيم وإنما ضر نفسه .
ولما كان له الخلق جميعاً تحت أوامره سبحانه مع أنها كلها خير لا شر فيه بوجه إسرار وإغوار ، لا تدرك ولا تحصى ، وقد يظهر بعضها لسان الحدثان بيد القدرة ، وكان متعديها ظالماً وكانمن أقرب ظلمه وأبينه الإيقاع في مهاوي العشق ، فسره سبحانه بقوله مبيناً عظمته بخطاب الإعلاء : ( لا تدري ) أي يا أيها النبي الكرمي ما يكون عن ذلك من الأمور التي يحدثها الله لتشير على المطلق بشيء مما يصلحه فغيرك من باب الأولى .
ولما نفى عنه العلم المغيب لاختصاصه سبحانه به وحذف المتعلق إعراقاً في التعميم ، وكان كل أحد فيما يحدث له من الأمور ما بين رجاء وإشفاق ، عبر عن ذلك بأداة صالحة لها فقال : ( لعل الله ) أي الذي بيده القلوب ومقاليد جميع الأمور ) يحدث ) أي يوجد شيئاً حادثاً لم يكن إيجاداً ثابتاً لا يقدر الخلق على التسبب في