كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 28
جزء من العدة لأنها إذا ثبتت في آخرها البعيد من الطلاق كان ما قبله أولى لأنه أقرب إلى الطلاق فقال : ( فإذا بلغن ) أي المطلقات ) أجلهن ) أي شارفن انقضاء العدة مشارفة عظيمة ) فأمسكوهن ) أي بالمراجعة ، وهذا يدل على أن الأولى من الطلاق ما دون البائن لا سيما الثلاث .
ولما كان الإنسان لما له من النقصان لا يقدر على كمال الإحسان قال منكراً : ( بمعروف ) أي حسن عشرة لا بقصد المضارة بطلاق آخر لأجل إيجاب عدة أخرى ولا غير ذلك ) أو فارقوهن ) أي بعدم المراجعة لتتم العدة فتملك نفسها ) بمعروف ( بإيفاء الحق مع حسن الكلام وكل أمر عرفه الشرع - أي حسنه - فلا يقصد أذاها بتفريقها من ولدها مثلاً أو منه إن كانت محبة له مثلاً بقصد الأذى فقط من غير مصلحة وكذا ما أشبه ذلك من أنواع الضرر بالفعل أو القول ، فقد تضمنت الآية بإفصاحها الحث على فعل الخيرات وبإبهامها اجتناب المنكرات .
ولما كان كل من المرافقة والمفارقة أمراً عظيماً ، تبنى عليه أحكام فتحرم أضدادها ، فيكون الخلاف فيها في غاية الخطر ، وكان الإشهاد أليق بالمراد ، وأقطع للنزاع ، قال تعالى حاثاً على الكيس واليقظة والبعد عن أفعال المغفلين العجزة : ( وأشهدوا ) أي على المراجعة أو المفارقة ) ذوي عدل ) أي مكلفين حرين ثقتين يقظين ) منكم ) أي مسلمين وهو أمر إرشاد مندوب إليه ، وعن الشافعي رضي الله تعالى عنه وجوبه في الجرعية والصحيح الأول ، ومن فوائده أن لا يموت أحدهما فيدعي الآخر الزوجية ببقاء علقة العدة ليرث .
ولما كان أداء الشهادة يعسر على الشاهد لترك مهماته وعسر لقاء الحكم الذي يؤدي عنده ، وربما بعد مكانه ، وكان للعدل في الأداء عوائق أيضاً ، وكان الشهود من المأمورين بالإشهاد ، حث على الأداء على وجه العدل بقوله : ( وأقيموا ) أي أيها المأمورون حيث كنتم شهوداً ) الشهادة ) أي التي تحملتموها بأدائها على أكمل أحوالها كما يفعل من يريد إقامة شيء ليصير واقفاً بنفسه غير محتاج إلى ما يدعمه .
ولما كان ربما ميل أحد من المشهود عليهما الشاهد بشيء من المرغبات فأداها على وجهها لذلك الشيء لا لكونه الحق ، قال مرغباً مرهباً ) لله ) أي مخلصين لوجه الملك الأعلى المحيط بكل شيء علماً وقجرة وهو ذو الجلال والإكرام في أدائها على وجه الحق ظاهر وباطناً ، لا لأجل المشهود له ولا المشهود عليه ، ولا شيء سوى وجه الله .
ولما كانت أحكامه سبحانه وتعالى لا سيما في الكتاب المعجز مقرونة بعللها وفيها عند التأمل رقائق ودقائق تخشع لها القلوب وتجب الأفئدة في داخل الصدور قال ) ذلكم ) أي الذي ذكرت لكم أيتها الأمة من هذه الأمور البديعة النظام العالية المرام

الصفحة 28