كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)
صفحة رقم 32
ولما كان هذا الحكم بأزواج المسلمين لحرمة فرشهم وحفظ أنسابهم قال : ( من نسائكم ) أي أيها المسلمون سواء كن مسلمات أو من أهل الكتاب ، ولما كان الموجب للعدة إنما هو الدخول لا مجرد الطلاق قال : ( إن ارتبتم ( بأن أجلتم النظر في أمرهن ، فأداكم إلى ريب في هل هن حاملات أم لا ، وذلك بالدخول عليهن الذي هو سبب الريب بالحمل في الجملة ) فعدتهن ثلاثة أشهر ( كل شهر يقوم مقام حيضة لأن أغلب عوائد النساء أن يكون كل قرء في شهر .
ولما أتم قسمي ذوات الحيض إشارة وعبارة قال : ( واللائي لم يحضن ) أي لصغرهن أو لأنهن لا حيض لهن أصلاً وإن كن بالغات فعدتهن ثلاثة أشهر أيضاً ، وهذا مشير إلى أن أولات الحيض بائنات كن أو لا عدتهن ثلاثة قروء كما تقدم في البقرة لأن هذه الأشهر عوض عنها ، فأما أن يكون القرء - وهو الطهر - بين حيضتين ، أو بين الطلاق والحيض ، وهذا كله في المطلقة ، وأما المتوفى عنها زوجها فأربعة أشهر وعشراً كما في البقرة .
ولما فرغ من آئسات الحوامل أتبعه ذكر الحوامل فقال : ( وأولات الأحمال ) أي من جميع الزوجات المسلمات والكفار المطلقات على كل حال والمتوفى عنهن إذا كان حملهن من الزوج مسلماً كان أو لا ) أجلهن ) أي لمنتهى العدة سواء كان لهن مع الحمل حي أم لا ) أن يضعن ( ولما كان توحيد الحمل لا ينشأ عنه لبس ، وكان الجمع ربما أوهم أنه لا تحل واحدة منهن حتى يضع جمعاً قال : ( حملهن ( وهذا على عمومه مخصص لآية
77 ( ) يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ( ) 7
[ البقرة : 234 ] لأن المحافظة على عمومه أولى من المحافظة على عموم ذلك في قوله : ( أزواجاً ( لأن عموم هذه بالذات لأن الموصول من صيغ العموم ، وعموم ) أزواجاً ( بالعرض لأنه بدلي لا يصلح لتناول جميع الأزواج في حال واحد ، والحكم معلل هنا بوصف الحملية بخلاف ذاك ولأن سبيعة بنت الحارث وضعت حملها بعد وفاة زوجها بليال ، فأذن لها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن تتزوج ، ولأن هذه الآية متأخرة النزول عن آية البقرة ، فتقديمها على تلك تخصيص ، وتقديم تلك في العمل بعمومها رفع لما في الخاص من الحكم فهو نسخ والأول هو الراجح للوفاق عليه ، فإن كان الحمل من زنا أو شبهة فلا حرمة له ، والعدة بالحيض .
ولما كانت أمور النساء في المعاشرة والمفارقة من المعاسرة والمياسرة في غاية المشقة ، فلا يحمل على العدل فيها والعفة إلا خوف الله ، كرر تلميعاً بالحث على التقوى إشارة إلى ذلك وترغيباً في لزوم ما حده سبحانه ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فمن لم يحفظ هذه الحدود عسر الله عليه أموره : ( ومن يتق الله ) أي يوجد الخوف من