كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 34
يكون تأديباً لأمر بمعروف ليتوصل بصورة شر قليل ظاهر إلى خير كثير قال : ( لتضيقوا ) أي تضييقاً بالغاً لا شبهة في كونه كذلك مستعلياً ) عليهن ( حتى يلجئهن ذلك إلى الخروج .
ولما كانت النفقة واجبة للرجعية ، وكانت عدتها تارة بالأقراء وتارة بالأشهر وتارة باحمل ، وكان ربما توهم أن ما بعد الثلاثة الأشهر من مدة الحمل للرجعية وجميع المدة لغيرها لا يجب الإنفاق فيه قال : ( وإن كن ) أي المعتدات ) أولات حمل ) أي من الأزواج كيف ما كانت العدة من موت أو طلاق بائن أو رجعي ) فأنفقوا عليهن ( وإن مضت الأشهر ) حتى يضعن حملهن ( فإن العلة الاعتداد بالحمل ، وهذه الشرطية تدل على اختصاص الحوامل من بين المعتدات البوائن بوجوب النفقة .
ولما غيى سبحانه وجوب الإنفاق بالوضع ، وكانت قد تريد إرضاع ولدها ، وكانت اشتغالها بإرضاعه يفوت عليها كثير من مقاصدها ويكسرها ، جبرها بأن قال حاثاً على مكافأة الأخوان على الإحسان مشيراً بأداة الشك إلى أنه لا يجيب عليها الإرضاع : ( فإن أرضعن ( وبين أن النسب للرجال بقوله تعالى : ( لكم ) أي بأجرة بعد انقطاع علقة النكاح ) فآتوهن أجورهن ( على ذلك الإرضاع .
ولما كان ما يتعلق بالنساء من مثل ذلك موضع المشاجرة لا سيما أمر الرضاع ، وكان الخطر في أمره شديداً ، وكان الله تعالى قد رحم هذه الأمة بأنه يحرك لكل متشاححين من يأمرهما بخير لا سيما في أمر الولد رحمة له قال مشيراً إلى ذلك : ( واتمروا ) أي ليأمر بعضكم بعضاً في الإرضاع والأجر فيه وغير ذلك وليقبل بعضكم أمر بعض ، وزادهم رغبة في ذلك بقوله : ( بينكم ) أي إن هذا الخير لا يعدوكم ، وأكد ذلك بقوله : ( بمعروف ( ونكره سبحانه تحقيقاً على الأمة بالرضى بالمستطاع ، وهو يكون مع الخلق بالإنصاف ، ومع الناس بالخلاف ، ومع الحق بالاعتراف .
ولما كان ذلك موجباً للمياسرة ، وكان قد يوجد في الناس من الغالب عليه الشر ، قال مشيراً بالتعبير بأداة الشك إلى أن ذلك وإن وجد فهو قليل عاطفاً على ما تقديره فإن تياسرتم فهو حظكم وأنتم جديرون بسماع هذا الوعد بذلك : ( وإن تعاسرتم ) أي طلب كل منكم ما يعسر على الآخر بأن طلبت المرأة الأجرة وطلب الزوج إرضاعها مجاناً فليس له أن يكرهها .
ولما كان سبحانه قد تكفل بأرزاق عباده وقدرها قبل إيجادهم .
قال مخبراً جبراً للأب بما يصلح عتاباً للأم : ( فسترضع ) أي بوعد لا خلف فيه ، وصرف الخطاب إلى الغيبة إيذاناً بأن الأب ترك الأولى فيما هو جدير به من المياسرة لكونه حقيقاً بأن يكون أوسع بطاناً وأعظم شأناً من أن يضيق عما ترضى

الصفحة 34