كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 8)

صفحة رقم 55
لمصاحبة إيمانه ( صلى الله عليه وسلم ) غير الإيمان المطلق ، فلا مانع من أن يدخل غيرهم من المؤمنين النار ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين فلا متمسك للمعتزلة بها في أن مرتكب الكبائر مخلد في النار لأنه داخل النار فهو مخزي ، فهو غير موصوف بالإيمان لأن من اتصف بالإيمان لا يخزى بدليل هذه الآية ، قال أبو حيان : وفي الحديث : ( أنه ( صلى الله عليه وسلم ) تضرع في أمر أمته فأوحى الله إليه : إن شئت جعلت حسابهم إليك ، فقال : يا رب أنت أرحمن بهم مني ، فقال تعالى : إذاً لا أخزيك فيهم ( ولما نفى عنهم الخزي ، فسره بقوله مقدماً للنور لأن السياق لتعظيم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بخلاف ما مضى في الحديد : ( نورهم يسعى ) أي سعياً مستمر التجدد ، وعلى التفسير الآخرة تكون هذه الجملة حالية ، ويجوز أن تكون خبراً ل ) الذين ( إذا جعلناه مبتدأ ) بين أيديهم ( وحذف الجار إشارة إلى أنه ملأ تلك الجهة ) و ( كذا ) بأيمانهم ( وأما ما يلي شمائلهم فإنهم لا يلتفتون إليه لأنهم إما من السابقين وإما من أهل اليمين ، فهم يمشون فيما بين الجهتين ويؤتون صحائف أعمالهم منهما ، وأما أهل الشمال فيعطوها من وراء ظهورهم ومن شمائلهم وهم بما لهم من النر إن قالوا سمع لهم وإن شفعوا شفعوا .
ولما كانت إدامة للملك هي أشرف صفات العبد قال : ( يقول ) أي مجددين لذلك دائماً لعلمهم أن الله تعالى له أن يفعل ما يشاء ، لا حق لأحد عليه ولا سيما إذا رأوا انطفاء نور المنافقين ، قال سهل : لا يسقط الافتقار إلى الله تعالى عن المؤمنين في الدنيا ولا في الآخرة بل هم في الآخرة أشد افتقاراً إليه وإن كانوا في دار العز لشوقهم إلى لقائه : ( ربنا ) أي أيها المتفضل علينا بهذا النور وبكل خير كنا أو نكون فيه ) أتمم ( فأظهروا لأن المقام له .
ولما كان الإنسان ربما رزق شيئاً فانتفع به غيره دونه قالوا : ( لنا نورنا ) أي الذين مننت به علينا حتى يكون في غاية التمام فتوصلنا به إلى المأمن في دار السلام ، ولا تجعلنا كالمنافقين الذين أطفأت أنوارهم فكانت عاقبتهم إلى الظلام .
ولما كان كل من حسن أدبه لا بد أن يعتقد في نفسه النقص ، قالوا على سبيل الذلة والمسكنة والتواضع : ( واغفر لنا ) أي امح عنا كل نقص كان يميل بنا إلى أحوال المنافقين عينه وأثره ، وهذا النور هو صورة أعمالهم في الدنيا لأن الآخرة تظهر فيها حقائق الأشياء وتتبع الصور معانيها ، وهو شرع الله الذي شرعه وهو الصراط الذي يضرب بين ظهراني جهنم لأن الفضائل في الدنيا متوسطة بين الرذائل ، فكل فضيلة

الصفحة 55